من يبت أمر الحرب؟

رب الاستقلال وحرب الايام الستة، وحرب يوم الغفران وحرب ايران – هذه هي السلسلة التي رسمها ايهود باراك في خطبته في مؤتمر هرتسليا يوم الخميس الماضي حينما تحدث عن الحسم المصيري الذي يقف على باب دولة اسرائيل. وتبين من كلامه ضمنا كأنه يقول ما أحسن ان يقف قرب المقود، بصفة وريث لدافيد بن غوريون في 1948 وليفي اشكول وموشيه ديان في 1967 وغولدا مئير وموشيه ديان في 1973 – ان يقف الآن القائد العسكري باراك ومساعده على شؤون رئاسة الحكومة، بنيامين نتنياهو. ولا يوجد فوقهما، كما قال باراك في مكان آخر، متجاهلا القانون والحكومة «سوى السماء».
ان «مجال الحصانة» الذي تتقدم ايران ضمنه بصورة مستمرة يفترض ان يقيد الامكان العملي لإصابة البنية التحتية الذرية الموزعة والمحصنة فيها. وهذا الزعم الذي أنتجته اسرائيل هو تجديد عالمي في مجال التسويغ الفكري للضربات المانعة، فهي توجه على نحو عام على أيدي ضحية مستهدفة حينما يتبين صدق عملية موجهة عليها. وتدل سابقتا العراق في 1981 وسوريا في 2007 على ان الطموح الى هامش أمني أوسع جعل اسرائيل تسبق وتهاجم في مرحلة احراز القدرة الذرية. ويُبين كلام باراك طلب حق العمل في مرحلة أسبق هي مرحلة حشد القدرة لاحراز القدرة.
ان هذه السياسة المعلنة هي التي تقلق الرئيس (والمرشح للرئاسة) باراك اوباما ووزير دفاعه ليون بانيتا الذي عاد وتحفظ في يوم الخميس الماضي من هجوم اسرائيلي محتمل في الاشهر القريبة.
ان مجال الحصانة الذي يحتاجه اوباما لمواجهة هجوم اسرائيلي يمتد سياسيا حتى الانتخابات في تشرين الثاني في حين ان مجال حصانة نتنياهو وباراك معاكس، فبانيتا يرى أنهما يريدان ان يهاجما في الاشهر القريبة. آنذاك قد تعيق التقديرات الانتخابية اوباما عن الرد على الهجوم بشدة. وسيقوى هذا التناقض كلما آل الى الصفر احتمال ان يكون نيوت غينغريتش حليف نتنياهو المرشح الجمهوري أو ربما الرئيس الذي يوافق على عملية اسرائيلية.
ان تصريحات باراك قوية ومتحدية لايران وتدعوها الى ان تهاجم أولا وان تقدم ذريعة لتوحد الشعب وجهاز الامن حول عملية يدور حولها اليوم اختلاف شديد. ان البرنامج الزمني الذي حدد علنا بهذه التصريحات يضحي بصورة واضحة بالحاجة العملياتية لاخفاء نية الهجوم من اجل اقناع العدو والعالم بجدية التحذيرات وبهذا يقلد باراك أنور السادات في 1973.
لم يصدق السادات حتى بدأ الحرب، وقد ضعفت الثقة بباراك حينما تبين ان تصريحاته سلسلة طويلة من الكلمات الفارغة. هكذا كان في التزامه الخروج من الحكومة اذا لم يستقل ايهود اولمرت بعد نشر تقرير فينوغراد وفي اعلانه في الاول من شباط في العام الماضي انه سيأتي الحكومة باقتراح لتعيين اللواء يئير نفيه رئيسا لهيئة الاركان بالفعل لمدة ستين يوما.
ان الشك في كلام باراك مسوغ لكنه قد يتبين هذه المرة انه خطأ باهظ الكلفة. وقد عرضه بانيتا هو ونتنياهو على أنهما يسعيان للخروج الى حرب ايران هذا العام. وهما يهيئان الارض السياسية، باراك بايماء واضح الى انضمامه الى نتنياهو كي يقوي نظام حزبين كبيرين كما هي الحال في امريكا بقيادة رئيس حكومة يتمتع بصلاحيات قوية؛ ونتنياهو بتقديم موعد الانتخابات كي يهييء لنفسه حرية عمل – مجال حصانة – في الاشهر بين اعلان فض الكنيست والتوجه الى صناديق الاقتراع.
يتحدث باراك ونتنياهو بأسلوب «نحن الدولة»، لكن المادة الاربعين من قانون أساس الحكومة تقضي «ألا تبدأ الدولة حربا إلا بفعل قرار من الحكومة». فليس الاثنان ولا الثمانية ولا الثمانية عشر عضوا من اللجنة الوزارية الامنية مخولين ببدء حرب مبادر اليها ومحسوبة ومخطط لها بخلاف رد سريع على هجوم مباغت أو استعمال سريع «لوسائل يملكها ديوان رئيس الحكومة»، كما عرّفت المستشارة القانونية آنذاك في وزارة الدفاع الامر في مباحثة في الكنيست في 2003.
ان اخفاقات نتنياهو ووزرائه الأدائية في كارثة الكرمل، واخفاقات نتنياهو وباراك وزملائهما في قافلة «مرمرة» البحرية التي فحص عنها مراقب الدولة تحدد قضية المسؤولية العامة والشخصية لاعضاء الحكومة. فلا يجوز لهم ان يتركوا هذا القرار الحاسم المصيري جدا في يد الاثنين نتنياهو وباراك وحدهما.  

السابق
كأن سور برلين لم يسقط
التالي
ابو زينب من الرابية: حزب الله سيكون جنباً إلى جنب مع التيار الوطني الحر