ثورتان موازيتان

في العالم العربي ثورتان موازيتان تخاضان بشكل متواز ولا تشبهان بعضهما ابدا. ثورة يخوضها الشارع بتنويعاته وتشكيلاته التي ترتكز بشكل اساسي على الفقراء والمهمشين وسكان الاطراف والارياف. واخرى تخوضها بعض النخبة والطبقة الوسطى عبر الانترنت ومواقع التواصل الالكتروني. وشتان بين الثورة الاولى بما تعنيه من دماء ودموع وتضحيات وخروج صادق الى الشارع، وبين الثانية التي تخاض بثياب النوم وراء الشاشات تنظيرا وتحريضا وتشجيعا على القتل والاقتتال وتخفيفا من اهمية المتزلقات التي تذهب اليها المجتمعات العربية جرّاء كل ما يحدث.

ثمّة فارق كبير بين شاب في العشرين من عمره بمستوى اجتماعي واقتصادي وتعليمي معيّن، وبين رجل او سيدة مما يسمى «النخبة» بطموحاته الاقتصادية واوهامه الاجتماعية ومزاعمه الثقافية. الاول نفهم لماذا يخرج وفي وسعنا ان نلامس مشاكله واحواله التي تدفعه الى التضحية بكل شيء من اجل التغيير. اما الثاني فلم يخرج اصلا الا عبر تويتر او فايس بوك لكي يفرّغ احقاده ليس على السلطة وحسب بل على المجتمع ايضا حتى ولو بطريقة ايجابية تزيّن لهذا المجتمع كل ما يقوم بها بعيدا عن النقد البناء والطروحات الاشكالية التي هي في العادة من وظائف النخبة والمثقفين.
لقد كشفت الازمة الاخيرة في كل العالم العربي مجددا، زيف النخب وسطحيتهم وانتهازيتهم. فقد ظلوا طويلا يشتمون الشارع ويقولون عنه انه متخلّف. وهم اليوم يمالئونه ويكذبون من غير ان يكلفوا انفسهم عناء التصحيح والتصويب والنقد. بل تراهم ينعقون دون رادع او وازع من غير ان يكونوا ابهين بمستقبل البلاد وما يمكن ان يحدث لها.   

السابق
السفير: لافروف وفرادكوف إلى دمشق غداً لطلب تنازلات سياسية … وخدمات عسكرية
التالي
موسكو تطلق مبادرتها لمعالجة الأزمة السورية… وتؤكد على عودة الحرب الباردة مع الناتو