اليوم العالمي للإنترنت الآمن

فؤاد، طفل عمره 12 سنة، يستخدم الإنترنت للتحدث إلى أصدقائه خلال الـ«ويك إند» فقط، وفي أوقات الفراغ، وما من أحد أزعجه يوماً، أو توجّه إليه بشيء بغيض. بينما نزار، 13 سنة، لا يملك أوقاتاً محددة لاستخدام الإنترنت، فهو يقضي وقته في لعب «البوكر» والتحدث إلى أصحابه، وأهله لا يمانعون ذلك، كما أنه لا يسمح لأحد بـ«التنمير» عليه، إذ يكيل له ذلك بمكيالين. أما ريم، 14 سنة، فلديها صديقة واحدة، إذ أنها تجد صعوبة في التأقلم مع الأوضاع الجديدة، وهي ترتاح لهذه الصديقة، خصوصاً أنها زميلة الدراسة.
خديجة، أم لثلاثة أطفال، أكبرهم في الحادية عشرة من عمره، وهي لا تسمح بوجود الإنترنت في المنزل، «بينما يذهب ابني محمد إلى منزل صديقه لاستخدام الإنترنت، وأنا مرتاحة جداً، لأن هذا الوضع يبقى دائماً تحت المراقبة من قبل أهل صديق ابني». أما رولا، وهي أم لطفلين، فتكرّس كل وقتها للبقاء إلى جانب طفليها خلال استخدامها الإنترنت، بينما تتساءل بسمة، وهي أم لطفلة في الثانية عشرة من عمرها، عن إمكانية استحداث «user» خاص بابنتها على الكومبيوتر المحمول، تضع فيه خصوصية إلى دخول بعض المواقع وفي أوقات معينة كي تبقي ابنتها في أمان.
بعيدًا عن الكرة أو الركض، شارك أمس أكثر من 500 طفلٍ وطفلةً من المناطق اللبنانية كافةً، في ألعاب تهدف إلى مساعدتهم على حماية أنفسهم من التحدّيات الموجودة على شبكة الإنترنت.
نظّمت هذا النشاط، مؤسسة «الرؤية الدائمة»، برعاية المجلس الأعلى للطفولة، التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، وبالتعاون مع الهيئة المنظمة للاتصالات، وعدد من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الكشفية. ويتوجّه النشاط إلى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين الثامنة والثالثة عشرة عاماً. ويأتي كجزء من مشروع حماية الأطفال على شبكة الإنترنت، واحتفالاً باليوم العالمي للإنترنت الآمن.
ورافق الأهالي أطفالهم في رحلة التوعية هذه، محتفلين بـ«اليوم العالمي للإنترنت الآمن»، من خلال ألعاب ترفيهية وتثقيفية، أغانٍ، موسيقى وحلويات. والأهم من ذلك، رسائل التوعية التي تلقّّاها المشاركون لتأتي انسجاماً مع المناسبة، ومع مشروع «مؤسسة الرؤية العالمية».
وفيما استمتع الأطفال بأوقاتهم على مدى ساعات ثلاث، تلقّى أهاليهم عدداً من الارشادات والنصائح من قبل المدرّبين المتواجدين حول التحديات التي قد يواجهها أولادهم وشبابهم على الشبكة وكيفية توعيتهم، مراقبتهم وحمايتهم منها، إذ أن للأهل الدور الأبرز في ذلك.
الخوري
وفي هذا السياق، ألقت زينة الخوري، منسّقة مشروع «حماية الأطفال على الشبكة» كلمةً جاء فيها: «لم يعد بالإمكان الاستغناء عن الإنترنت في أيامنا هذه. فقد أضحت حاجة ملحّة، فهي مصدر معرفة ومعلومات، إضافةً إلى التسلية التي ينشدها أطفالنا. ولكن، في مقابل ذلك، على أطفالنا وشبابنا أن يكونوا واعين لدى استخدامهم الإنترنت، فهنالك الكثير من التحدّيات التي قد تواجههم. وهذا ما نسعى إليه من خلال نشاط اليوم (السبت) ومن خلال مشروعنا».
وتابعت: «من أبرز التحدّيات التي يواجهها الأطفال على الإنترنت، الكشف عن المعلومات الشخصية، «التنمير» والاحتيال. وكما كان تركيز مؤسسة الرؤية العالمية على تأمين بيئة أفضل للطفل، لذلك فمن الضروري أن يشمل عملها حمايته على الإنترنت. لذلك، أطلقت «الرؤية العالمية» مشروع حماية الأطفال على الشبكة منذ ما يقارب الأشهر الستة. ويستهدف المشروع، الذي يمتدّ على مدى سنتين، الأطفال والأهل عبر إعطائهم ورش تدريبية، وجلسات توعية حول كيفية الحماية على الإنترنت. كما يعمد إلى تدريب الأطفال والشباب ليقوموا بدورهم بتدريب أقرانهم، في مختلف المناطق اللبنانية».  وأضافت الخوري: «الإنترنت ليس مخيفاً، ولا يجب حرمان أطفالنا وشبابنا منه، إذ لم يعد هنالك من مفر منه. للأهل دور أساسي في مرافقة أطفالهم ومراقبتهم وقد نظمت مؤسسة الرؤية العالمية منذ أقل من شهرين ورشة عمل ضمت وزارة الشؤون الاجتماعية، وزارة الاتصالات، وزارة التربية وعدداً من منظمات المجتمع المدني ومن الشركات الخاصة التي تعنى بموضوع الاتصالات، كان الهدف منها العمل على المستوى الوطني وتوحيد جهود مختلف الجهات إضافةً إلى توحيد الأهداف والعمل عليها، استخدامهم الشبكة، وتوعيتهم حول التحديات، وتعليمهم كيفية حماية أنفسهم».
كرامة
وفي حديث إلى «البناء»، اعتبر ممثل شركة «مايكروسوفت»، ومدير عام شركة «تِكرم» (قراءة عكسية لكلمة «market») أكرم كرامة أن «أطفالنا سيتحولون إلى مواطنين رقميين، وعلينا ترشيدهم ضمن هذا الإطار، طالما هم في سنّ تسمح لنا بالتدخل في حياتهم إلى هذا الحدّ عندما يتخطون المرحلة الأولى من فترة المراهقة، فعلينا بناء ثقافة المسؤولية في نفوسهم وعقولهم، من خلال غرس قواعد التربية السليمة واتّباع المثل القائل: «لما يٍكبرْ إبنك، خاويه»، والابتعاد عن معالجة الخوف بالخوف والتهديد بالتهديد، وتعويدهم على التفكير المسبق، وهنا: «Think before you click»، لأن كل ما هو على الإنترنت سيصبح مُلكاً العموم».
تجدر الإشارة إلى أن كرامة ينظّم محاضرات تثقيفية وتوجيهية للأهل، يقدّم خلالها إرشادات هامة لهم، ونصائح تمكّنهم من المشاركة في حياة أطفالهم في المدرسة كما على الإنترنت، باعتبار أنّ ما يصحّ في عالم الواقع، لا يصحّ في عالم التكنولوجيا.
عقد بين الأهل والأولاد
عندما يريد الولد استخدام الإنترنت بطريقة آمنة ومسؤولة، عليه أن يدرك وأن يعي أنّ أهله يريدون ضمان سلامته، لذلك عليه الاستماع إلى نصائحهم، وألا يعطي أي معلومات شخصية عن اسمه أو اسم أهله ومدرسته، وعنوانه ورقمه الهاتفي إلى أي غريب يتعرف إليه عبر الإنترنت.
وعلى الطفل أن يعلم بوجود أشخاص على الإنترنت يدّعون انهم أشخاص آخرون، وأن بعض البالغين يدّعون بأنهم أطفال، وعليه إخبار أهله قبل أن يجيب على أي بريد إلكتروني يصله من قبل هؤلاء.
وعليه التنبّه دائماً، إلى عدم شراء أو طلب أي شيء عبر الإنترنت من دون موافقة الأهل، والأهم، ألا يعطي المعلومات الموجودة على بطاقتهم المصرفية. وألا يعبّئ أي طلب على الشبكة بمعلومات شخصية أو خاصة بالأسرة من دون موافقة الأهل. وألا يدخل في نقاشات أو سجالات مع الغرباء على الإنترنت.
من أجل ذلك، من المفضّل أن يحصل عقدٌ بين الأهل والأبناء، على أن يلتزم الطفل بما يلي: «إخبار أهلي بأسراري على الشبكة، أو إذا رأيت أشخاصاً يقومون بأشياء بغيضة، أو يقولون عبارات غير لائقة لي أو لأطفال آخرين. عدم استخدام أي صورة أو نص وجدته على الإنترنت وأدّعي أنه لي. لكي أتمتع على الإنترنت بتجربة آمنة، مفيدة ومسلّية، عليّ اتباع القواعد التالية: أن أحافظ على معلوماتي الشخصية، أتجنب الغرباء، أحترم الآخرين وأحافظ على سمعة رقمية جيدة، أتأكد من صحة المعلومات، أوازن بين استخدامي الإنترنت وقيامي بأنشطة أخرى، أحمي حاسوبي الشخصي، أبلّغ عن أي شيء مزعج أتعرّض له على الشبكة».
الهواتف المحمولة والتنمير
أصبحت الهواتف المحمولة اليوم جزءاً من حياتنا اليومية، فهي توفّر وسيلة مراسلة وكاميرا وراديو وكومبيوتر وغيرها من الخدمات، وعلى الرغم من فوائد هذه الأدوات، إلا أنها قد تستخدم بشكل غير مناسب ومؤذٍ.
ويمكن أن يستعمل المنمّرون الهاتف المحمول ليلتقطوا صور الأطفال فيصبحون «هدفاً سائغاً» لهم، ثم يقومون بتوزيع الصورة على الإنترنت كي يحرجوهم أو يؤذوهم.
كما يستعملون الهاتف المحمول ليتصلوا بالأطفال بواسطته، أو يرسلون الرسائل النصية التي تحتوي على التهديدات أو الإهانات في مختلف ساعات الليل والنهار. وليرسلوا الصور والأفلام المهينة أو غير الشرعية إلى هواتف الأطفال المحمولة. وليطلعوا أشخاصاً آخرين على أرقام هواتف الأطفال أو لنشرها على مواقع مختلفة.
لذلك، يجب على الاطفال دائماً توخي الحذر من إرسال صورهم إلى بعض الأشخاص الذين قد يستعملونها بشكل غير مناسب أو مؤذٍ. وأن يستشيروا أهلهم أو أساتذهم قبل أن يحمّلوا البرمجيات أو يثبّتوها، أو قبل أن يقوموا بأي أمر آخر يمكن أن يؤذي أجهزة الكومبيوتر الخاصة بهم، أو يعرّض خصوصية أسرهم إلى الخطر. وأن يتمتعوا بحسّ أخلاقي عند استعمال الإنترنت، وعدم القيام بأي أمر يؤذي الأشخاص الآخرين أو يخالف القانون. وأن يحجبوا شخصاُ معيناً من التواصل معهم إذا كانوا لا يرغبون في التكلم معه، وإذا كانوا لا يعلمون كيف يقومون بذلك، عليهم أن يطلبوا المساعدة من أستاذ، أو من أحد الوالدين، أو من أصدقاء يثقون بهم.
نحو قانون يحمي
واستناداً إلى كل ما تقدّم، لا بدّ للدولة هنا أن تؤازر الجمعيات الأهلية، ومنظّمات المجتمع المدني، عبر سنّ قانونٍ صريح وواضح، يتطرّق ليس فقط إلى القرصنة على الشبكة العنكبوتية، ولا إلى جرائم القدح والذم، بل إلى إدانة كل من تسوّل له نفسه أن يؤذي الأطفال، ويخترق براءتهم، فيحميهم من براثن وحوشٍ اتخذوا لهم الهواتف المحمولة الذكية، وشبكة الانترنت مربضاً يتربص بالجيل الجديد. 

السابق
ديمي مور تدخل مركز إعادة تأهيل من الإدمان
التالي
علي حمدان: بري سيلتقي ميقاتي اليوم لوضع النقاط على الحروف