ندوة في مركز عصام فارس: غياب العرب في العقد المقبل

نوفل ونور الدين: تركيا وإيران تتعاونان ثنائياً وتتنافسان عربيّاً في إطار تفاهم إستراتيجي
أجمع المحاضرون في "مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية" على أن تركيا وإيران يتنافسان على قيادة العالم الإسلامي، وعلى النفوذ في المشرق، ويتصارعان في سوريا، غير انهما متفاهمتان على مكانة بعضهما وعلى العلاقات الثنائية الإقتصادية، وعلى وراثة القيادات العربيّة في المنطقة. وأشاروا إلى غياب الدول العربية الفاعلة عن قيادة المنطقة في المرحلة المقبلة لانشغال بعضها بأوضاعه الداخليّة ولضعف نفوذ الآخر في مساحة المشرق العربي، مشدّدين على أن هذا التنافس الإيراني – التركي المضبوط من قبل الطرفين سيطبع المرحلة المقبلة بطابعه وستكون ساحتاه الرئيسيتان سوريا بدرجة اولى والعراق بدرجة أقلّ، فيما ذُكِر أن "الرئيس الراحل حافظ الأسد وعلى رغم تحالفه مع إيران فإنه حافظ على علاقاتٍ جيدة مع الدول العربية الفاعلة وخاصة مصر والسعودية، في حين أن نهجه لم يستمر مع الرئيس الحالي".
جاء ذلك في ندوة نظّمها المركز في قاعة محاضراته في سن الفيل بعنوان "بين تركيا وإيران: أين العرب؟"، حضرها عدد من المهتمين تقدّمهم الوزير السابق بهيج طبّارة، والمستشار في السفارة المصرية وائل عزب وممثل عن أمين عام منتدى الامام الحكيم في لبنان السيد علي الحكيم.

أ. ميشال نوفل
ورأى الخبير في الشؤون الإيرانيّة والتركية والكاتب الصحافي في صحيفة "المستقبل" الأستاذ ميشال نوفل أن العلاقات الإيرانية – التركيّة يحكمها تنافس في إطار نوع من التفاهم الإستراتيجي والتعاون والتشاور، لافتاً إلى أن أي خروج للصراع التنافسي عن التفاهم الإستراتيجي، يمكن أن يتحوّل إلى صدع سنّي – شيعي يحرص الجانبان على تجنّبه والإبتعاد عنه نظراً غلى مضاعفاته الخطيرة. وأضاف أن لهذا السبب لا يقود التنافس بينهما أبداً إلى التدهور السياسي أو المواجهة والصراع المفتوح، مشيراً في الوقت عينه إلى أنه من الصعب التصوّر أن تتجاوز تركيا وإيران التنافس إلى التعاون الوثيق بالنظر إلى اختلافات سياسية وإيديولوجية أساسيّة، وذلك على الرغم من الرغبة المشتركة في تقليص التدخّلات السياسيّة للقوى الخارجيّة في الشرق الأوسط واحتواء النفوذ الروسي والأميركي والصيني في آسيا الوسطى.
وأوضح ان هناك علاقات متوازنة في إطار من الإحترام والحذر المتبادلين، والحنين إلى المجد الامبراطوري، والتداخل على المستوى الثقافي والإثني والحضاري، معتبراً أن لا يمكن لإيران الخروج من لباسها الشيعي ولا تركيا الخروج من لباسها السني، رغم عدم إعلان الدولتين نفسيهما دولة شيعية ودولة سنّية، وان الدولة المركزية القوية في البلدين تصالحت مع الإسلام. وقال في هذا السياق، إن هذه المصالحة انتهت مؤقتاً في إيران إلى إقامة دولة دينية في حين أن الدولة العلمانية في تركيا التي لا تسمح بإقامة حكم ديني أعادت الإعتبار إلى الدين كعامل استقرار وتوازن للمجتمع.
وشدّد نوفل على أن تركيا وإيران تطمحان إلى زعامة العالم الإسلامي ولهما نقاط قوّة وموارد استثنائيّة تخدم هذا الطموح، وأن الثورات السياسيّة والتحوّلات التي هزّت العالم العربي كشفت بصورة واضحة الإختلافات في مقاربة القطبين للأوضاع الإقليميّة، مؤكداً أن البلدين فوجئا وارتبكا أمام تحديات الربيع العربي لكن تركيا أظهرت مرونة أكبر في التعامل مع المعطيات الجديدة.
ورأى أن إيران وتركيا تحرصان على تعزيز تعاونهما الإقتصادي الذي سيزداد في السنوات المقبلة، إلا أن فراغ القوّة العربيّة يقيم بيئة جاذبة لتنافسهما، لافتاً في المقابل إلى أن السمة الأساسية للتنافس ستكون الصراع على سوريا حيث تظهر الإنقسامات الأكثر شدّة بين سياسة كل من البلدين.
وختم نوفل بالقول إن المحور العربي سيبقى غائباً في المرحلة المقبلة، عازياً السبب إلى انه لا يمكن تكوين قيادة بالأطراف الخليجيّة صاحبة الإمكانات المالية والتي يمكن ان تكون داعمة فقط عبر تقديم المال، وان العراق معطّل إلى اجل غير مسمّى، ومصر منشغلة الآن بوضعها الداخلي، وسوريا مشلولة بأزمتها. وأشار في هذا الإطار إلى أن الحماسة السعودية للتغيير في سوريا يأتي في خانة احتواء التحدّي الإيراني، إلا أن التأثير السعودي له حدود بسبب عدم رغبة الجزائر وعدم حماسة المؤسسة العسكرية – الأمنية المصريّة للتغيير.

د. محمد نورالدين
واعتبر الخبير في الشؤون التركية والكاتب الصحافي في صحيفة "السفير" الدكتور محمد نورالدين، ان العلاقات التركية – الايرانية تحكمها جدلية التعاون والتنافس، لافتاً إلى ان التعاون حكم ولايزال العلاقات الثنائية، فيما التنافس ساد العلاقات غير المباشرة، وأن حتمية التعاون بين تركيا وايران فرضتها تقاليد ثبات مزمنة تشير الى استحالة الصدام المباشر، ما نقل التنافس بينهما الى ساحات ثالثة مشتركة يمتلكان فيها عناصر التأثير ويتواجهان فيها كلما اقتضت الضرورة، وهي حصراً القوقاز وآسيا الوسطى والمشرق العربي.
وسجّل نورالدين ان الثورات العربية في مصر وليبيا وتونس واليمن والبحرين كانت داخل مجتمعات بعيدة الى حد كبير عن الدائرة المشتركة بين ايران وتركيا، فيما ساحة بلاد الشام تختلف جدا لجهة التوازنات الداخلية السياسية والمذهبية، وأي اختلال في المعادلة الراهنة في هذه الساحة سيهدم توازنات تاريخية قديمة وربما جغرافية تفتح المجال امام اضطراب قد يمتد لعقود بل أكثر، مشيراً الى ان الصراع اليوم في سوريا وعليها ليس صراعاً محصوراً بالجغرافيا السورية، وهو يتعدّى مطلب الاصلاح المحق الى محاولة إحداث اختلال في التوازنات الاقليمية والاجتماعية من جانب القوى والدول المطالبة بإسقاط النظام هناك.
واعتبر نورالدين، ان أخطر ما في المواجهة الحالية بين تركيا وايران انها تستحضر كل مفردات التاريخ وحساسيته وتؤسّس لهدم ما تبقى من آخر لحمة بين العرب، وهي رابطة العروبة ونقل جوهر الصراع بين العرب والمشروع الصهيوني الى صراع بين السنة بشقّيهما التركي والعربي والشيعة بشقّيهما الايراني والعربي، مبدياً قناعته بان تخلّي تركيا عن سياسة تصفير المشكلات وانخراطها المباشر في سياسة المحاور فوتا فرصة تاريخية في إطفاء الفتنة السنية الشيعية، وفوّتا على تركيا نفسها مضاعفة تأثيرها الاقليمي. وأضاف نورالدين أن المنطقة تتسع للجميع وتخطىء تركيا ان راهنت على امكانية العودة الى ما قبل معاهدة قصر شيرين عام 1639 مع ايران والى ما قبل الحرب العالمية الاولى مع العرب، لان النتائج الكارثية لمثل هذا الرهان لن يوفّر احدا وفي مقدّمهم تركيا.
ورأى ان كلما تقدّم العرب وحضروا على مسرح التاريخ، كانت فرص التدخلات الخارجية في قدرهم تتراجع، لكن تراجع الدور العربي وغشاوة تحديد العدو من الصديق قدّمت العرب وجبة دسمة على طبق من ذهب الى كل القوى الاقليمي والدولية، مشيراً إلى أن المسار الذي يرى في القوى الاقليمية خطراً، ما عدا الخطر الدائم اسرائيل، هو من اخطر التحديات التي تواجهها الامة العربية.
وختم بالقول إنه اذا كانت تركيا وايران تهربان الى التصارع في الساحة العربية، فسينعكس ذلك سلباً على الجميع، مستدركاً أنه مع ان التنافس بينهما بلغ أوجه في الفترة الاخيرة، فإن التفاهم بينهما على تحصين الساحة العربية هو المدخل للوصول الى حلول تحفظ الاستقرار للمنطقة ولهما. وأضاف أنه مهما سعى الخارج الى بذر التفرقة ومهما تمايزت المجتمعات العربية والتركية والإيرانية عن بعضها البعض فهم مثّلث ينتمي الى حوض حضاري واحد يهتز باهتزاز احد اضلاعه ويستقر باستقرارها جميعا ولن تقوم قائمة لاي منهما من دون الآخر، فإما ان ينجحوا جميعا وإما ان يخسروا جميعا.

د. مصطفى اللبّاد
رئيس "مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية" في القاهرة الدكتور مصطفى اللباد اعتبر أن الصراع السني – الشيعي هو ما سوف يكون في الواجهة في المرحلة المقبلة وليس الصراع العربي الإسرائيلي، وأن تركيا تتأهب لقطف ثمار الإنتفاضات العربية لأنها سنية بالمنطق الطائفي السائد في المنطقة وتعمل بالوكالة عن الولايات المتحدة وتحتفظ بعلاقات ممتازة مع "الإخوان المسلمين" المنتصرين في البرلمانات العربية الجديدة. وأضاف انه في المقابل ستخرج إيران خاسرة لانها نافست إسرائيل بضراوة وهدَّدت السعودية ودول الخليج في العمق وطالبت بأثمان كبيرة من واشنطن لقاء التفاهم الإقليمي في الأعوام العشرة الأخيرة. و رأى أنَّ كلاً من إيران وتركيا لهما مصلحة في نزع الطابع العربي عن المنطقة وتحويله إلى اسلامي حتى يسهّل لهما لعب أدوار قائدة فيه، وهذا ما سيفتح الباب إمام إعادة تعريف النظام الإقليمي العربي إلى نظام إقليمي إسلامي ما يخدم مصالح القوى الإسلامية في دول العربية أيضاً. ولفت إلى أنَّ اصطفاف الصراع في المنطقة سيؤدي إلى ان تكون تركيا والخليج وشمال افريقيا في مواجهة ايران والعراق، مع الترتيب لذلك بانتهاء النظام السوري ونجاح الإنتفاضة فيها، مع وجود تناقضات ضمن هذا الإصطفاف بين تركيا والإخوان المسلمين وتركيا والسعودية والإخوان المسلمين والسعودية. وقال إن توازن القوى العربي الضعيف يغري تركيا بمد نفوذها الى العالم العربي كما أغرى إيران بمد نفوذها إلى العراق، مشدداً على أن العراق كان دائماً على مر التاريخ نقطة انطلاق النفوذ الإيراني إلى المشرق ومصر. وأضاف أن مصلحة إيران الأساسية في العراق تكمن في منع قيام أي تشكيلة عسكرية سنية يمكن أن تشكل تهديداً لها.
وأكد ان الولايات المتحدة لا يمكنها أن تدع المنطقة تشكل نظامها الإقليمي الخاص، لذا ستعمل على تشكيل نظام إقليمي جديد يحفظ مصالحها ومصالح إسرائيل، مضيفاً أن هذا النظام لن ينتج إلا عن خلق اصطفافات تحتوي بعضها بعضاً كما فعلت في الحرب الباردة وفي خلق ثنائيات في مقابل بعضها.
وشدد اللباد على أن الدين سيلعب الأرضية الأساسية للهويات والصراعات في الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة، إذ ستبرز دولة الإحتلال الاسرائيلي رافعة شعرا يهودية الدولة في مقابل الدول الإسلامية سواء في الدول العربية أو إيران، فضلاً عن الهوية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية في تركيا.
وقال إن انتخابات 2011 البرلمانية دشنت ظهور حزام ممتد من المغرب إلى مصر ولاحقاً على الأغلب الى سوريا تتشارك في حكومات ذات خلفية إسلامية، مستطرداً إلى أنَّ سقوط النظام الجزائري يبدو محتملاً في السنوات المقبلة لتوفير الإتصال الجغرافي الإيديولوجي بين كامل الحوض الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط. وأشار إلى أن كردستان العراق وكردستان سوريا ستصبحان في مرمى الصراع والتعاون مع تركيا.
وفي الوضع السوري رأى اللباد ان البديل عن النظام السوري سيكون حكماً الاخوان المسلمين وان الصراع هو في سوريا وعليها، مشيراً إلى أن الرئيس الراحل حافظ الأسد وعلى رغم تحالفه مع إيران فإنه حافظ على علاقاتٍ جيدة مع الدول العربية الفاعلة وخاصة مصر والسعودية، في حين أن نهجه لم يستمر مع الرئيس الحالي. واعتبر انه لا يمكن الدفاع عن الحدود السورية وخاصة مع تركيا وإسرائيل عسكرياً لأن جيشي البلدين أقوى بكثير من الجيش السوري، لكن الدفاع عن هذه الحدود يكون سياسياً، وهذا ما كان يجيده حافظ الأسد.

السابق
سورية بين العرب والغرب
التالي
الضاحية الجنوبية: خوات و عصي و شبيحة و مناطق نفوذ .. حزب الله يناشد الدولة