الضاحية الجنوبية: خوات و عصي و شبيحة و مناطق نفوذ .. حزب الله يناشد الدولة

كتبت صحيفة "النهار": يدخل أربعة شبان المقهى. يتناولون الغداء ويحتسون الشاي مع بعض الحلويات. يطلبون الفاتورة. الحساب 100 ألف ليرة لبنانية. يتوجهون الى صندوق المحاسبة ثم يعلو الصراخ. الشبان ينهالون بالضرب على الموظف، يستولون على 100 ألف ليرة بعد ان يحطموا زجاج المقهى ثم يغادرون من دون ان يعترضهم احد!.

هذا المشهد في قلب الضاحية الجنوبية، وتحديداً على اوتوستراد السيد هادي نصرالله (حارة حريك)، ووفق أصحاب محل بالقرب من المقهى المذكور، ان ما يجري في الضاحية يفوق بكثير ما شهده ذلك المقهى.

خوات على المحال

حمل الخطاب الأخير للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله تحذيراً غير مسبوق من الفلتان المتفشي في بعض احياء الضاحية الجنوبية لبيروت، واضعاً الدولة أمام مسؤولياتها عبر أجهزتها الأمنية المعنية.

فلتان لم يكن في مقدور سيد المقاومة تجاهله بعد تصاعد وتيرة الشكاوى من تصرفات "ميليشيوية" تدأب مجموعات على ممارستها، وتعيد الى الأذهان مشهد المناطق اللبنانية خلال الحرب. ولعل اخطر من فيها لجوء اشخاص الى فرض خوات على بعض المحال والمطاعم والمقاهي، وأيضاً على اصحاب المهن الحرة.

هذه الظاهرة هي الأخطر، ولم تعرفها الضاحية حتى في سنوات الحرب، فالمنطقة ظلت خارج الادارات الأمنية التي انتشرت في مناطق المتحاربين في بيروت الشرقية والغربية وصولاً الى الجبل.

الخوات تفرض بطريقة غريبة، وتبدأ مع دخول "عميل شركة التأمين" مطعماً او مقهى، ويسأل صاحبه: "هل تريد بوليصة تأمين على مطعمك؟" ينصت صاحب المطعم مستفسراً "عن أي نوع من التأمين تتحدث!". تأمين ضد الحريق والسرقة، ويبعد الزعران عن المطعم. هذه العروض لا تعجب صاحب المطعم، فيعتذر من عميل شركة التأمين. لكن الأخير يكشف المستور: "التأمين هو مبلغ شهري للشباب هنا في الحي، وهؤلاء يقدمون لك الحماية، عدا عن ان ما نعرضه عليك ليس اختيارياً وفهمك كفاية".

لا يرغب صاحب المطعم في اكمال حديثه متمنياً عدم ذكر اسمه لأن شركة التأمين المزعومة هي "عصابة الزعران" او قبضايات الحي، اما مبلغ التأمين او الخوة التي يدفعها شهرياً فهي 1000 دولار اميركي. والأمر لا يقتصر على المطاعم والمقاهي بل يصل الى محال بيع الخضر، ولا يسلم بعض الاطباء والمهندسين من دفع مبالغ شهرية لقاء عدم التعرض لسياراتهم او افتعال المشكلات أمام عياداتهم ومكاتبهم.

الأمر يتكرر في غير مطعم ومقهى، وقبل نحو اربعة اشهر، شهد اوتوستراد السيد هادي نصرالله اشكالاً بين احد اصحاب المطاعم وعناصر مسلحة من حي مجاور بسبب رفض صاحب المطعم دفع الخوة. وبالفعل نجح في مهمته لأنه ينتمي الى عشيرة بقاعية، وانتهى الأمر بعدما اثبت قدرته على حماية المطعم بنفسه.

اضافة الى الخوات، يعمد "القبضايات" الى فرض توظيف اقربائهم في عدد من المقاهي والمطاعم، والطريف انهم يتناولون الطعام في تلك المقاهي من دون دفع قرش واحد.

واللافت ان عائلات تتقاسم مناطق النفوذ لفرض الخوات، وعلى سبيل الذكر لا الحصر تخضع المنطقة الممتدة من جسر الليلكي الى مجمع الحدت الجامعي لسيطرة العائلة الفلانية، ولا يسمح للعائلة الثانية المسيطرة على قسم من اوتوستراد السيد نصرالله ان تمد نفوذها الى هذه المنطقة، والعكس صحيح، ما يجعل المسألة أحياناً مشكلة بين عائلات العشائر.

المياه… شح و تشبيح

تعاني الضاحية الجنوبية ندرة في المياه كما هي الحال في اكثر من منطقة لبنانية، ولعل احد اسباب ازمة المياه هناك تكمن في عدم تحديث تمديدات المياه الى منطقة عرفت ازدياداً غير مألوف في عدد قاطنيها منذ ثمانينات القرن الفائت، اذ تضاعف عدد سكانها، فيما ظلت كمية المياه المخصصة لها على حالها منذ عقود، وزاد الطين بلة منع وزارة الطاقة والمياه حفر الابار الارتوازية.

ومع ازدياد طلب السكان على المياه، ظهرت تجارة مربحة لاصحاب الصهاريج، وهؤلاء لم يكفهم بيع المياه في اشهر الشح الممتدة من نيسان الى تشرين الثاني، فعمدوا احياناً الى التواطوء مع بعض موظفي مصلحة المياه لزيادة أرباحهم، وفحوى التواطؤ يكمن في زيادة تقنين المياه، مما يدفع الاهالي الى زيادة شراء المياه من اصجاب الصهاريج. ويلفت زائر الضاحية حركة هذه الصهاريج التي تتنقل بين الاحياء وتبيع برميل المياه بالفي ليرة واحياناً بثلاثة الاف، وخصوصاً في فصل الصيف حيث يزيد استهلاك العائلة الواحدة عن 15 برميلا اسبوعياً، اي ما يعادل الـ45 الف ليرة تتكبدها كل عائلة، ويضاف اليها رسم المياه السنوي لمصلحة المياه في جبل لبنان (عين الدلبة سابقاً).

معظم اصحاب الصهاريج هم من اصحاب النفوذ ويعمدون الى تقسيم الاحياء في شكل يصبح لكل واحد منهم زبائنه الدائمون ولا يستطيع صاحب صهريج آخر ان يبيع المياه في "المربع" التابع لزميله.

"مقاهي الأرصفة" وفوضى الفانات

مشهد الفلتان يتجلى أيضاً في ظاهرة انتشار المقاهي على الارصفة.مقاه على مساحات صغيرة جداً لا تتعدى الـ6 امتار مربعة واصحابها يسيطرون على رصيف ويرفعون عليه قوائم حديداً وستائر غالباً ما تكون من القماش، ويرفعون عليها صور شخصيات سياسية واعلام حزبية للاحتماء بها، وسط عجز البلديات عن ازالتها وعدم اكتراث القوى الامنية.

اما فوضى الفانات واصحابها فحدّث ولا حرج. فسائقو الفانات، وجلهم من المراهقين، لا يترددون عن ممارسة الشغب اليومي، بدءا من قيادة الفانات بطريقة تزرع الرعب في نفوس المارة وسائقي السيارات، وصولاً الى عرض العضلات واستعمال العصي لاتفه الاسباب، ولم يعد مستغرباً ان يوقف السائق فانه في وسط الطريق للتحدث مع زميله في فان آخر على الجهة المقابلة، واذا تذمر احد السائقين يكون السائقان ومرافقوهما بالمرصاد ويخرجون شاهرين العصي.

هذه الظاهرة وغيرها دفعت "حزب الله" اكثر من مرة الى الطلب من القوى الامنية القيام بمهماتها في الضاحية الجنوبية. فالحزب ليس في مقدوره مواجهة "جمهوره " لان سكان الضاحية في غالبيتهم من انصار الحزب، وليس شرطاً ان يكونوا داخل الجسم التنظيمي، مما يضع "حزب الله" في موقع حرج حيال خلافات عائلية او عشائرية.

انه موقف لا يحسد عليه، وهو اصلاً تحت الرقابة المشددة من خصومه السياسيين الذين ينتظرون مثل هذه الحوادث لتوجيه "سهامهم" اليه وتحميله المسؤولية عن هذا الفلتان.

السابق
ندوة في مركز عصام فارس: غياب العرب في العقد المقبل
التالي
الحركات الإسلامية وتحدي السلطة: بين الواقعية والمثالية