الحركات الإسلامية وتحدي السلطة: بين الواقعية والمثالية

المتتبع لواقع الحركات الإسلامية اليوم في الوطن العربي والعالم الإسلامي لم يعد لديه أدنى شك إن ما وصلت إليه هذه الحركات من قوة شعبية وقدرات عسكرية واستلام مواقع متعددة في السلطة (إدارة الدولة، رئاسة الحكومة، استلام وزارات، مجالس نيابية) لم تصل إليه طيلة المئة سنة الماضية أي منذ تأسيس أول حركة إسلامية بعد سقوط الخلافة العثمانية (أوائل القرن العشرين). وهذا الواقع ينطبق على الحركات الإسلامية السنية والشيعية وعلى مختلف التيارات والاتجاهات وفي العديد من الدول (حزب الدعوة، الأخوان المسلمون، السلفيون، حزب الله، باكستان، إيران، المغرب، تونس، العراق، السودان، حماس، الجهاد الإسلامي، اليمن.. الكويت، تركيا..).
إذن لم تعد هذه الحركات تشكو من القمع والحرمان والاعتقالات أو وجود موانع للوصول إلى السلطة، بل أصبحت أمام مهمة أساسية هي في كيفية تحويل شعاراتها الإسلامية إلى أرض الواقع، سواء لجهة تحقيق العدالة الاجتماعية أو الاستقلال السياسي أو تحقيق التنمية، أو تطبيق مفهوم تداول السلطة والمحاسبة والمراقبة وحماية الحريات العامة وصولاً لمعالجة أبسط مشاكل الناس (تأمين الكهرباء والمياه والحياة الكريمة) ومواجهة الفساد السياسي والإداري والمالي.
وقد يكون صحيحاً أن هذه الدول والحركات تواجه الكثير من العقبات الداخلية والخارجية وإنها قد لا تنفرد بالإدارة والسلطة في بعض الدول بل تواجه الكثير من المشاكل الداخلية والخارجية، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون سبباً أو مانعاً من سعي هذه الحركات لتقديم نموذج ولو أولي لصحة الشعارات التي رفعتها طيلة المئة سنة الماضية.
فالفرصة التي أتيحت اليوم للقوى والحركات الإسلامية أتت بعد أن ولت عهود القوى التي أمسكت السلطة خلال العقد المنصرم من التيارات القومية واليسارية والعلمانية والليبرالية وصولاً لبروز أشكال متعددة من التجارب السياسية من ديكتاتوريات عسكرية أو حزبية أو فردية وعائلية ولكنها واجهت الفشل ولم تستطع تحقيق طموحات الأمة والشعوب العربية والإسلامية.
فهل ستنجح الحركات الإسلامية في تجاربها الجديدة أم ستتجه كذلك نحو الفشل مما سيصيب أتباعها ومناصريها بالإحباط بعد أن منحوها الثقة والدعم.
نحن لا نريد أن نستبق التجارب الجديدة أو أن نحكم على الحركات الإسلامية قبل أن تخوض تجربتها الجديدة، لكن للأسف فإن ما رأيناه وما نراه من بعض التجارب لم يكن مشجعاً حتى الآن في ظل ما تعانيه بعض هذه الحركات التي وصلت إلى الحكم من إرباك ومشاكل متعددة، وغرق بعضها في الفساد والسرقة والسعي للإمساك بالسلطة فقط.
مع أنه لا بد من التأكيد أن فشل الحركات الإسلامية لا يعني فشل الدين الإسلامي ومبادئه، لأن ما تصنعه هذه الحركات هو تجارب بشرية قابلة للخطأ أو الصواب ونحن لسنا أمام أنبياء وأئمة، بل مجرد قيادات وشخصيات بشرية تجتهد وقد تصيب أو تخطئ.
ولذلك المطلوب اليوم من كل الحركات الإسلامية بمختلف اتجاهاتها أن تتواضع وتدرس الواقع بدقة وتحدد ما تريد وأن لا تطلق وعوداً قد لا تستطيع تنفيذها، وإذا نجحت في تحقيق الحد من مطالب الشعب من إقامة الدولة العادلة ونشر الديمقراطية وروح المحاسبة والعمل من أجل الاستقلال الداخلي فتكون بذلك قد وضعت القطار على السكة ومن حق الناس والشعب أن يحاسب الجميع عبر صناديق الاقتراع وصولاً إلى النموذج الأفضل، وبذلك تطبق حقيقة تداول السلطة ولا يحتكرها أحد بعد اليوم.

السابق
الضاحية الجنوبية: خوات و عصي و شبيحة و مناطق نفوذ .. حزب الله يناشد الدولة
التالي
الحسم في مُنجِد الأسد: الحرب