محكمة الحريري تنطلق في مرحلة جديدة لثلاث سنوات وحزب الله لا يملك سوى طلب تعديل الإتفاق

مع بدء العد العكسي للتجديد للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان مطلع أذار المقبل، خطت هذه المحكمة خطوة أساسية على طريق تحقيق العدالة مع اعلان رئيس غرفة الدرجة الأولى فيها الاستعداد لانطلاق المحاكمات الغيابية للمتهمّين الأربعة من «حزب الله» سليم جميل عيّاش، ومصطفى امين بدر الدين، وحسين حسن عنيسي، وأسد صبرا، المتّهمين باغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، من دون أن يحدد موعدا لبدأ هذه الجلسات، التي تعتبر سابقة قانونية تاريخية تؤكد جدية المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وتعدّ إجراء أخيرا لضمان أن لا يعطّل سير العدالة من يختارون الفرار من وجهها».
ويأتي الاعلان عن بدء المحاكمات الغيابية بمثابة تأكيد على استمرار عمل المحكمة وبأن التجديد والتمديد المستحق نهاية الشهر الجاري يسير بخطى ثابتة وفق ما نص عليه قرار انشائها، من أن القرار النهائي في التجديد يعود لأمين عام الأمم المتحدة وأن دور لبنان استشاري وغير ملزم ،وهو الأمر الذي أعلنه من بيروت الناطق باسم المحكمة مارتن يوسف الذي كشف أن المحكمة طلبت من بان كي مون التجديد لمدة ثلاث سنوات.
وفيما خص المحاكمات الغيابية لفت يوسف الى أن قرار البدء بها جاء بعد أن تأكدت المحكمة من أن السلطات اللبنانية قامت بكل ما يلزم من أجل تبليغ المتهمين مذكرات التوقيف بحقهم ،وأنه لم يعد بمقدورها القيام بالمزيد .

يشار في هذا الشأن الى أن المادة 22 من النظام الأساسي للمحكمة الخاصة بلبنان نصّت على قيام المحاكمات الغيابية وورد فيها «أن المحاكمات الغيابية لها ما يبررها ، وذلك في حال فرار المتهم أو عدم العثور عليه، وبعد أن تكون قد اتخذت «جميع الخطوات المعقولة» من اجل « إبلاغ المتهم او المتهمة بمذكرات التوقيف وللتأكيد أكثر على هذا المسار عمد مكتب الدفاع في المحكمة الخاصة بلبنان الى تعيين ثمانية محامين دائمين للمتهمين الأربعة في قضية اغتيال الرئيس الحريري، وهم كانوا عيّنوا بصفتهم محامين مناوبين، وستكون مهمتهم الدفاع عن حقوق المتهمين بدون التواصل معهم ،والمحامون هم:

اللبناني أنطوان قرقماز محامياً رئيسياً لمصطفى بدر الدين ويعاونه البريطاني جون آر دبليو دي جونز، الكندي يوجين أوسوليفن محامياً رئيسياً لسليم عياش ويعاونه اللبناني إميل عون، الفرنسي فينسان كورسيل ـ لابروس محامياً رئيسياً لحسين عنيسي ويعاونه المصري ياسر حسن، البريطاني دايفيد يونغ محامياً رئيسياً لأسد صبرا ويعاونه السويسري غويناييل ميترو..
وفيما أكد رئيس مكتب الدفاع فرنسوا رو أن جلسات المحاكمة ستنطلق خلال الأسابيع القليلة المقبلة، لفت يوسف الى أن لا موعد محدداً للبدء بالمحاكمات الغيابية، كاشفا بان محامي الدفاع سيطلعون على الأدلة المقدمة من مكتب الادعاء على أن لا تتعدى هذه العملية مهلة الأربعة أشهر أهر كحد أدنى.
وكانت المحكمة الدولية أوضحت ان «محامي الدفاع يواجهون مهمة صعبة، وهي تمثيل المتهمين والدفاع عنهم بدون التواصل معهم، مؤكدة ومن مبدأ ضمان تكافؤ وسائل الدفاع، أن مكتب الدفاع سيقدّم المشورة القانونية والدعم العملي إلى المحامين»، ولفتت الى أنّه «يجب على المدعي العام إطلاع المحامين على المواد المؤيدة لقرار الاتهام في غضون 30 يوم عمل».

وبحسب مدعي المحكمة دانيال بلمار الذي أصدر القرار الإتهامي في تموز 2011، فان اعضاء حزب الله مصطفى بدر الدين وأسد صبرا وحسن عنيسي وسليم عياش مسؤولون عن عملية اغتيال رفيق الحريري، وهم يواجهون مذكرات توقيف صادرة عن المحكمة الخاصة بلبنان تم تسليمها الى السلطات اللبنانية في 30حزيران من العام الماضي بالاضافة الى مذكرات حمراء للشرطة الدولية «الانتربول».
واذ يؤكد المصدر على أن المحكمة الخاصة بلبنان هي جهاز قانوني استثنائي أنشئت باحتمال أن تكون المحاكمات فيها غيابية، يوضح أنها المحكمة الدولية الوحيدة التي وضع نظامها الداخلي بهذا الشكل.

اعتبر رئيس مكتب الدفاع في المحكمة أنّ «النشاط القضائي بدأ فور تعيين محامي الدفاع، لافتا الى أن الأسابيع والأشهر المقبلة، ستشهد جلسات إجرائية تثار خلالها مسائل عدّة بينها شرعية المحكمة، وأنّه خلال مهلة ثلاثين يوم عمل (ستة أسابيع تقريباً) من تعيين المحامين، يفترض أن يكشف مدعي عام المحكمة لهيئة الدفاع الأدلّة التي استند إليها في القرار الظني الصادر في آب من العام الماضي والذي يتهم كلاً من مصطفى أمين بدر الدين، وسليم جميل عياش، وحسين حسن عنيسي، وأسد حسن صبرا بالتورّط في الاغتيال». وأوضح رو أنّ الادعاء طلب في تشرين الثاني 2011 من قاضي الإجراءات التمهيدية الموافقة على عدم تسليم بعض أسماء الشهود والوثائق إلى الدفاع، وأنّه ردّ بأنّ «هذا يجب أن يناقش في حضور محامي الدفاع»، مشيرا إلى أن»مرحلة الإجراءات الوجاهية القادمة ستشهد بالتأكيد جلسة حول هذا الموضوع، وأنّ الدفاع يحتاج إلى وقت لدراسة كلّ هذه الوثائق والأدلّة».

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن للدفاع أن يكون مثمرا إذا لم يستطع محاموه الاتصال بالمدعى عليهم؟ والاستماع الى افاداتهم ودفاعهم عن أنفسهم و البحث عن أدلة براءتهم ؟
يقول رو إن المحامين الذين عينهم «لن يقوموا بدور محامي الدفاع عن المتهمين ولكن مهمتهم ضمان حقوق ومصالح كل متهم من المتهمين». وهو إذ توقع أن يتقدّم المحامون بدفع أوّلي يشكّك في شرعية المحكمة خلال الاشهر المقبلة،لفت الى أن ذلك لا يمنع انطلاق التحقيقات التي يفترض أن يقوم بها فريق الدفاع لجمع معلومات تتيح له الدفاع عن المتهمين الاربعة، مذكّر ا ضمن هذا الإطار بأن البروفسور سليم جريصاتي هو أحد مستشاري مكتب الدفاع وسيزوّد المحامين بمعلومات تساعدهم على الطعن في شرعية المحكمة.
يذكر أنه في حال ردّت غرفة الدرجة الاولى الطعن الذي يُتوقع أن يتقدم به محامو الدفاع في شرعية المحكمة، يمكنهم اللجوء الى دائرة الاستئناف، الأمر الذي قد يستغرق شهوراً عديدة لا يجوز السير بالمحاكمات قبل مرورها.
وإذ اعتبر رو خلال زيارته بيروت أنه لا يجوز النظر الى المحكمة كجهاز خارجي، بل يفترض المطالبة بتطبيق معاييرها في المحاكم اللبنانية، رأى أنه لو كان من محامي حزب الله «لكان لدي بولفار واسع لردّ الاتهامات التي وجّهها المدعي العام الى الحزب بالضلوع في الارهاب، شارحاً بأنه يحقّ لكلّ جهة ذكرت في نصّ قرار الاتهام بأن تطلب المثول أمام المحكمة،لافتا ضمن هذا الإطار أنه يحقّ لوكلاء حزب الله بما أن ذُكر في نص القرار، طلب المثول أمام المحكمة من دون أن يكون ذلك مرتبطاً بالأشخاص الأربعة المتهمين الذين ينتمون الى الحزب».

ووفقا للمعلومات المتوافرة حول طريقة عمل الوكلاء القانونيين للمتهمين الاربعة ولما نص عليه نظام عمل المحكمة فإن هؤلاء سينطلقون بداية في إختيار فريق عملهم، ومن بينهم محققون وخبراء في القانون ومساعدون قضائيون واداريون، على أن يقوم مكتب الدفاع بعرض لوائح بأسماء أشخاص يمكنهم تولي هذه المهام الى المحامين ليختاروا منها، كذلك يمكنهم اختيار أشخاص غير مذكورة اسماؤهم على اللوائح. وبعدها بيدأ المحامون بعقد اجتماعات عمل داخلية لوضع خطة الدفاع وتحديد مراحل العمل واتجاهات التحقيقات التي سيجرونها،كما سيطلبون الاستماع الى العديد من الشهود الذين كانوا موجودين في المكان أو الذين يمكن أن يكونوا قد راقبوا المكان لحظة وقوع الانفجار، كما سيسعون للإطلاع على كل التقارير المتوافرة عن الجريمة بما فيها التقارير الخاصة بحزب الله والتي تحدثت عن وقائع وإثباتات عن تورط إسرائيل في عملية الإغتيال.
وعن الوضع القانوني في حال حصلت إدانة غيابية يقول رو» إذا أدين الشخص (غيابيا) يحق له أو لها الطلب بإعادة المحاكمة، وذلك من خلال معارضة الحكم الصادر عن المحكمة بحقه».
واقع التجديد وتعديل البروتوكول
وفي ظل الوقائع الجديدة التي انطلق بها عمل المحكمة الخاصة بلبنان بالبدء بالمحاكمة الغيابية بعد سنة على صدور القرار الإتهامي الأول ،والذي سيتبع بقرارات إتهامية جديدة يقال أنها قد تصدر قبل موعد التجديد لعمل المحكمة نهاية الشهر الحالي،وبعد سبع سنوات على إنطلاق التحقيق الدولي في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري، يطرح السؤال حول كيفية تعاطي الحكومة اللبنانية مع هذه الوقائع الجديدة؟ومع مسألة التجديد للمحكمة أو الحديث عن تعديل البروتوكول المتعلق بها والمعقود بين لبنان ومجلس الأمن الدولي ؟ 

السابق
مستقبل الشرق الأوسط للكيانات الصغيرة ؟
التالي
لا عودة إلى عهد الحكومتين