سوريا اليوم: لحظة السقوط؟!

يرتفع يوميّاً عدد الشهداء. تتوالى أخبار ارتكاب وحدات من الجيش النظامي، بالإضافة إلى عناصر الأمن والشبيحة، المزيد من الفظائع. تقتل، في اللاذقية، زوجة الدكتور معد الطايع وأطفاله الأربعة. تذبح، في حمص، عائلة كاملة بالسكاكين وحراب البنادق. يستعر جنون النظام. يسلك عموم البشر سلوكاً مشتركاً حيال الجنون الدّموي: "ينفضّون من حوله"، كلّ على طريقته: بدءاً بـ"المقاومة" وصولاً إلى التجنّب والنأي بالنفس.

خلال مسار الثوّرة الممتد منذ قرابة عام، وفي لحظات مختلفة منه، كان من الممكن لمنحازين لها أن يعلنوا مراراً سقوط النظام: حين لم يعالج (بطريقة صحيحة) مأساة أطفال درعا. حين خطب رأس النظام لأوّل مرّة (الثلاثين من آذار العام المنصرم). حين أطلق النظام النار على شعبه. حين كذب في كل ما يتعلّق بوعوده الإصلاحيّة. حين رأى السوريون تماثيل "القائد الخالد" تهوي، وحين رأوا صور "الرئيس الشاب" تُحرق. في كلّ لحظة من هذه اللحظات، وفي غيرها طبعاً، كان النظام يسقط: رمزيّاً، أخلاقيّاً، وإعلاميّاً. وكان الوقت، وما زال، يلعب لصالح الثوّرة وعلى حساب النظام.
اليوم، وبعد الخطاب الرابع لرأس النظام والمؤتمر الصحفي الأخير لوزير خارجيّته، اللذين أكّدا من جديد الجوهر الفعلي لسياسة النظام السوري المتمثلة بالعنف المحض، يمكن القول إن الثوّرة دخلت لحظة جديدة، ربما تُعتبر لاحقاً: لحظة السقوط الفعلي.
 تبدأ لحظة السقوط الفعلي باحتمال مرجّح، وهو فقدان النظام لدعم ومساندة شرائح اجتماعيّة من الموالين له. يميل ممثلون عن هذه الشريحة أكثر فأكثر إلى التعبير عن "النأي بالنفس" من نظام كانوا، حتى وقت قريب، يدافعون عنه بالسلب عبر انتقاد الثوّرة وتسقّط "أخطائها وعثراتها"! وينبغي للأمر أن يكون مفهوماً ضمن مجموعة عناصر أساسيّة تشغل حيّزاً مهمّاً في المشهد السوري الآني: ارتفاع خطير في منسوب الدماء في مناطق مختلفة من سوريا، بدءاً من القرى الحدوديّة مع تركيا وصولاً إلى القرى الحدوديّة مع الأردن، ومروراً ببلدات ومدن ريف دمشق التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن قلب العاصمة السوريّة، مع ما يعنيه ذلك من تأكيد لفشل النظام في القضاء على ما يدعوه "العصابات المسلّحة" التي تبدو حتى الآن، ووفق المنطق السليم وحده، أقوى من النظام نفسه، ومع ما يعنيه ذلك من أوضاع أمنيّة غير مستقرّة تشكّل مصدر قلق كبير بالنسبة لشرائح من البورجوازيّة الصغيرة، والكبيرة بطبيعة الحال، في كل من حلب ودمشق. يُضاف إلى ذلك الأزمة الاقتصاديّة الخانقة التي باتت تؤثّر بصورة مباشرة على حياة عموم السوريين، هذا فضلاً عما يمكن أن يكون قد تحقّق لموالين للنظام، بعد أحد عشر شهراً من عمر الثوّرة، من انفصال نفسي و"أخلاقي" عنه؛ المقصود بذلك: هضم فكرة إسقاط نظام "الأسد للأبد" الحاكم منذ أكثر منذ أربعة عقود، الأمر الذي كان يدخل في عداد المستحيلات قبل عام.

قبل كلّ ذلك، ما من قاعدة اجتماعيّة للنظام السوري، بمعناها الذي يحيل إلى اعتباره ممثّلاً لشبكة مصالح اجتماعيّة، يمكن أن تستمر في الدفاع عنه حتى النهايّة. فالنظام الذي اشتغل منذ عهد مؤسّسه على تطييف المجتمع لا يعبرّ إلاّ عن مصالحه هو، أي مصالح الطغمة المغلقة التي دمجت البورجوازيّة السوريّة العريقة في المكوّن الاقتصادي من تركيبتها.
لكنّ ماذا عن احتماء النظام بـ"الطائفيّة"؟!
الإجابة عن هذا السؤال بالسلب، أي عجز النظام عن الاحتماء بالطائفيّة وقدرته على جرّ البلاد إلى حرب أهليّة شاملة، تتصّل بخصوصيّة التنوّع الطائفي في سوريا المتمايز بصورة واضحة تماماً عن التنوّع الطائفي في البلدين الجارين الضعيفي الاستقرار: لبنان والعراق. لن يستطيع النظام جرّ البلاد إلى حرب طائفيّة شاملة في سياق الدفاع عن وجوده في اللحظات التي باتت فيها حواجز الجيش الحر تُقام في مناطق لا تبعد عن العاصمة "قلعة النظام سابقاً!" سوى كيلومترات قليلة. المقصود بذلك، أن النظام الذي يدّعي أنّه حامي الأقليات في الوقت الذي يحتمي بها، لن يستطيع أن يُقنع أشد شرائح الأقليات حماساً له بالدفاع عنّه في اللحظة التي بات من الممكن للسوريين فيها أن يشاهدوا مقطع فيديو يهدّد فيه جنود سوريون منشقون بقصف القصر الجمهوري! 

السابق
يا عدرا اعينينا على أمثال أبو فاضل
التالي
ســيارة أوباما لا تجد من يشتريها