بري متمهّل وحزب الله مرتاب

هل كان الموضوع الذي ادى برئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى اتخاذ القرار الصعب غير المتوقع بتعليق جلسات مجلس الوزراء، يستأهل هذه الضجة الكبرى؟
ذلك هو السؤال المطروح لدى اوساط على صلة بدوائر القرار في "حزب الله"، والذي عليه تندفع هذه الاوساط الى احاطة ما حصل بكمية كبيرة من الريبة وطرح التساؤلات والاسئلة عن المقاصد المضمرة التي أملت على الرئيس ميقاتي اتخاذ ما اتخذه من خطوات وتقرير ما قرره من مقررات في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء.

لا تخفي الاوساط اياها ان ثمة بالأصل تباينات وتناقضات "متراكمة" في داخل مجلس الوزراء تركت تأثيراتها غير المحمودة على مسيرة العمل الحكومي منذ ان قيّض لهذه الحكومة ان تشرع في رحلتها قبل اشهر، لكن ان تبلغ الامور الوجهة التي بلغتها ليل الاربعاء الماضي، فذلك لم يكن في لائحة الحسابات وقائمة التوقعات.
ومما زاد مناخ الريبة اياه هو ان الجلسة التي سبقت مباشرة الجلسة الاخيرة سادها جو من الايجابية والمرونة سمح بامرار العديد من المقررات، وخلّف انطباعاً فحواه ان "ثمة مشهداً جديداً ومعادلة مختلفة تفرض نفسها على واقع الحكومة، وتعد بمزيد من الانفراج وتقلص مرحلة التعطيل.وما زاد ايضاً في المناخ اياه هو مسألة تعليق جلسات مجلس الوزراء، فهي سابقة دستورية تنطوي على كثير من المظاهر والمضامين الخطيرة.
وحبل الاسترابة الذي سيبقى حاضراً لدى الاوساط اياها الى ان يثبت العكس، أي بجعل ما يبدده يصل الى حد التساؤلات عما اذا كان قرار تعيين جلسات مجلس الوزراء ابن ساعته أم انه دُبر في ليل وبالاتفاق مع آخرين، وسعياً الى مقاصد بعيدة المدى، أم انها كانت خطوة لا بد منها لإحداث الصدمة الكهربائية اعادة مسار العهد الحكومي الى نصابه الطبيعي.
ومثل هذا التساؤل يدفع بطبيعة الحال طارحيه الى التبصر والتمعن أكثر لمعرفة ما اذا كان قرار ميقاتي منعطفاً جديداً قرر الرجل توسله وسلوكه من الآن فصاعداً لفرض معادلات ووقائع جديدة، وهو مجرد عقبة برزت في سياق المسيرة الحكومية، وبالتالي لن تلبث ان تجد لها حلاً ونهاية، إذا برز في ميدان "كاسحو الالغام" المعهودون، الذين يبادرون عادة الى تدوير الزواية ورأب الصدع وايجاد التسويات اللازمة!

وبصرف النظر عن طبيعة الاجابات المنتظرة من كل هذه التساؤلات، وهي عناوين عريضة تتدرج تحتها بالتأكيد عناوين فرعية، ثمة في الاوساط نفسها من بات يتخوّف من ان تطول الازمة المستجدة، ولا تجد في الوقت المناسب من يبادر الى أخذ المبادرة والشروع في التصدي للمهمة المنتظرة، أي المعالجة وايجاد قواعد التسوية. ولهذا التخوف لدي مطلقيه مبرراته وأسسه، وأولها ان الشخص الذي يسر عادة بأنه يطلق عليه لقب "كاسح الالغام" أمام الحكومة، قال ليل أول من أمس لبعض أفراد حلقته الليلية الضيقة، جواباً عن الموضوع! لم يفاتحني أحد في الموضوع. ورغم اقتضاب الجواب فإن هؤلاء خرجوا بانطباع ان بري لم يعد على درجة الحماسة عينها للمبادرة الى رأب الصدع، وذلك لكثرة "الصدعات" وتراكم الخلافات التي اعترت مسيرة الحكومة الميقاتية، منذ بداياتها.

ثم ان بري، ولأسباب عدة يسرها، لا يبدو انه هو من سيفاتح المعنيين في الامر، مع أبطال "الخلاف" في موضوع المصالحة، بل سيتركهم يأتون هم إليه لكي يكون لدوره في المعالجة مداخل مختلفة ومخارج متميزة عن السابق، عسى أن يكون ثمة باب يخرج منه الى معادلة مختلفة لمسيرة العمل الحكومية يكون ديدنها التسهيل والتسيير لا التعطيل. وعلى رغم أن الاوساط نفسها وجدت في الكلام الذي أطلقه الرئيس ميقاتي اخيراً من مرفأ طرابلس، والذي اعلن فيه صراحة انه ليس في وارد "الاستقالة او الاعتكاف، نوعاً من "بداية التراجع" وابداء حسن نية يشي بأنه ليس في وارد الذهاب الى ابعد من حدود ما بلغته في الساعات القليلة الماضية، فان في اوساط قوى 14 آذار من يجد ان مضامين هذا الكلام لا تعنى بالضرورة أن مياه العمل الحكومي عائدة في القريب العاجل الى مجاريها، اذ ان ميقاتي ما لجأ الى خطوته الاعتراضية "النافرة"، من دون مقدمات وجذور ومن دون ان تكون هناك رسائل يريد ان يبعث بها الى اطراف في الخارج، وتتصل بالواقع في سوريا والمحكمة الخاصة بلبنان، فضلا عن آليات العمل الحكومي المعقدة اصلا ضد العمل في اتفاق الطائف.

ولم يعد خافياً على كل متتبعي الحراك السياسي في الايام العشرة الاخيرة ان ميقاتي لم يكن في وضع المرتاح وهو يتلقى رسائل عتب سورية بشكل مباشر او غير مباشر على الكثير من المواضيع دلّت كلها على ان النظام في دمشق ليس مرتاحاً اطلاقاً الى مواقف وتحركات تجري على الساحة اللبنانية يقوم بها خصومه واعداؤه بكل حرية وراحة. وكذلك لم يعد جديراً القول ان ميقاتي الذي نجح في امرار موضوع تمويل المحكمة الدولية يدرك تمام الادراك ان الامر ترك طعنة تجري في خاصرة "حزب الله" وانه يريد في مقابلها العديد من الخطوات المتصلة بالمحكمة وسواها من القضايا الداخلية والخارجية، ولا سيما أن شهر آذار اقترب وثمة موعد مهم يتصل بالمحكمة الدولية.
ولكن السؤال هل تكون حركة ميقاتي والصدمة التي خلّفها قراره بتعليق جلسات مجلس الوزراء كافية لإفهام من قصده برسالته تلك؟
ذلك ما ستجيب عنه الايام القليلة المقبلة؟  

السابق
السفير: القرار حول سوريا ينتظر لقاء لافروف وكلينتون التعديلات في نيويورك لم تقنع موسكو بدعمه
التالي
7 سنوات على تعطّل جمعية التجار في صور