تعطيل سوري لإطلاق الفوضى

من «الخفّة» بمكان وضع الأزمات داخل مجلس الوزراء في سياق التباين بين نظرتين ورؤيتين للعمل الحكومي، أو في إطار الخلاف على أحجام وأوزان وأدوار مكوّناتها، أو حتى على خلفيّات محض سلطويّة أو زبائنية.

قد يكون السبب المباشر للأزمة الحكوميّة الأخيرة مجرّد سبب تقنيّ متّصل بالتعيينات الرقابية على غرار الأزمات السابقة المتصلة بتمويل المحكمة وملفّي الكهرباء والأجور وغيرها، إلّا أنّ السبب الرئيس الذي عطّل ويعطل عمل الحكومة الميقاتية هو نفسه الذي أدّى إلى شلّ وتعطيل عمل حكومتَي السنيورة والحريري، أي إبقاء البلاد مكشوفة وعرضة للفوضى والتخريب بما يتلاءم مع الأجندة السوريّة. فهل هي مجرّد مصادفة أن تتعطل أداة الحكم من قبل الفريق الانقلابي نفسه والمغطّى من قبل "حزب الله" أم أنّها تنمّ عن سياسة مبرمجة الأهداف والمؤدّيات؟

هذه الأهداف التي باتت أكثر إلحاحيّة في ظلّ الوضع المأزوم للنظام السوري بفعل التطوّرات النوعية على المستويين الميداني والديبلوماسي، إذ إنّها المرّة الثانية منذ اندلاع الثورة السوريّة تتحوّل الوقائع الميدانية إلى معطيات تستحقّ المتابعة كونها خلقت أمراً واقعاً على الأرض وأظهرت أنّ بإمكانها قلب المعادلة في دمشق، خصوصا إذا ما ترافقت مع حراك ديبلوماسي تمكّن من كسر الفيتو الروسيّ ولو بقرار صادر عن مجلس الأمن بصيغة مخفّفة، لأنّ الأساس صدور هذا القرار الذي يصبح تطوّره تلقائيّاً.

أمّا أكثر ما يثير "النقزة" السياسيّة في المشهد السياسي المحلّي هو هذا الحرص على الاستقرار في لبنان الذي يبديه "حزب الله" وأكّد عليه الرئيس السوري على لسان الوزير السابق وئام وهّاب الذي التقاه مؤخّراً، خصوصا أنّ هذا الحرص يتنافى مع السياسة السورية التقليديّة، فكيف بالحريّ في اللحظة التي بدأ يشعر فيها النظام بالقلق الفعليّ على مصيره، وذلك بخلاف ما يصرّح وينقل عنه. وانطلاقا من هذا الواقع تحديداً يفترض مقاربة التأزّم الحكومي، إذ هل يعقل أن تكون سوريا عاجزة عن ضبط "المشاكسات" العونيّة؟ وهل يجرؤ العماد ميشال عون على المشاكسة لولا تنفيذه بالتكافل والتضامن مع "حزب الله" سياسة إبقاء الوضع معلّقا على خط التوتّر السوري؟ وما الهدف من وراء عرقلة الحكومة التي هي بالأساس جاءت بطريقة انقلابيّة وترجمة للمخطّط السوري-الحزب اللهي؟

إنّ تعطيل الحكومة هو أمر بالغ الخطورة، كونه يشكّل سبباً جوهريّا لإحداث الفوضى، باعتبار أنّ أيّ خلل أمنيّ في ظلّ وجود الحكومة ستتحمّل مسؤوليته الأخيرة، وهذه المسؤوليّة ستنسحب تلقائيّا على الطرف الذي أتى بها، فيما تعليق الحكومة أعمالها أو دخولها في مرحلة تصريف أعمال طويلة سيؤدّي إلى انكشاف البلد سياسيّا تمهيداً لتفجيره، ومن ثمّ وضع اللائمة على الجهات الأصوليّة عينها إبعاداً للشبهة عن الفاعل الحقيقي والمكشوف، في ظلّ محاولات استبعاد سوريا وحلفائها على خلفية مواقفهم المعلنة بالحرص على الاستقرار.

وعليه، إنّ "التفتيش" عن جذور الأزمة الحاليّة يجب أن يقود تلقائيا إلى البحث عن سوريا. فالمسألة ليست من طبيعة تقنيّة، خصوصا أنّ مَن بيدِه تجميد عمل

الحكومة ليس رئيسها ولا رئيس الجمهورية، لأنّ المبادرة بالتجميد هي عند الطرف الآخر الذي يعرقل عن سابق تصوّر وتصميم عملها من رفض تنفيذ القرارات إلى رفض توقيع المراسيم، والحكم بهذا المعنى معطّل إن التأم مجلس الوزراء أم لم يلتئم، ومسيرة الحكومة خير شاهد على ذلك.

وحيال هذا الواقع، لم يعد من مصلحة ميقاتي الاستمرار على رأس الحكومة التي سيتمّ استخدامها كمطيّة لتفجير البلاد، ناهيك أنّها عاجزة عن تحقيق أيّ اختراق في أيّ ملفّ يذكر وتحت أيّ عنوان سياسيّ أو اقتصاديّ أو اجتماعي، وبالتالي الاستقالة الميقاتية تبقى أفضل السبل لمواجهة المخططات التآمريّة على لبنان في هذه اللحظة المصيرية بوضع الجميع أمام مسؤولياتهم عبر إعادة خلط الأوراق السياسية، الأمر الذي سيدفع إلى البحث عن تشكيل حكومة انتقاليّة تنسجم مع طبيعة المرحلة الحاليّة، لأنّ الحكومة الراهنة تنتمي إلى مرحلة انتهت وحقبة مضت، وبالتالي في موازاة الاستقالة الميقاتيّة، يجب على رئيس الجمهورية أن يبادر سريعاً إلى إطلاق حوارات ثنائيّة تحت عنوان "كيفية تسيير شؤون البلاد في ظلّ الانكشاف السياسي الكبير الحاصل".  

السابق
تنظيم احتفال مركزيّ
التالي
الجميل: نتمنى ان لا تعود الاغتيالات