المدونون العرب

يحكى ان فلسفة التوسع الإستعماري والنزعة الملكية الأوروبية تعود الى سرديات ميثولوجية قديمة، إذ إن القارة كانت تتمثل بآلهة الإغريق "الكائن الأسطوري ذي الجوهر المطلق". فهو يبرز ويولد مخلوقات أخرى، تصبح عنصراً أساسياً من تكوينه لتتجاوز القارة إطارها إلى ما هو أبعد وأوسع. في مقاربة مماثلة، يمكننا ان نعتبر "تويتر" الهاً إغريقياً أنشأ عائلة عند كل موطئ قدم "إلكتروني"، وتخترقه اليوم حرب من نوع آخر. إذ أصبحت المعادلات الرقابية في فضاء الإنترنت، نقطة حوار في كواليس الحكومات. جاء من يتحكم بـ"تويتر" في عقر داره، بعد إعلان إدارته حجب بعض "التغريدات" تبعاً للقوانين المحلية وهامش الحريات في بلاد معينة. وأشار الموقع إلى أمثلة سيضطر فيها "تويتر" للتعاون مع الدولة وفرض القيود، كـ"المحتويات المؤيدة للنازية" في فرنسا والمانيا. فيما سيتضمن المنع أيضا، جهات مدرجة على قائمة الإرهاب – بحسب "تويتر" – مثل "القاعدة" و"حزب الله" و"حركة المجاهدين الشباب" الصومالية.
وتجدر الإشارة إلى ان إدارة الموقع ستقوم بإخطار الشخص الذي حذفت تغريدته، في ما وصفه "تويتر" بـ"الشفافية". هذه الخطوة أثارت سخط العديد من مستخدمي الموقع (أبرزهم المدونون)، الذين قاموا بالإمتناع عن التغريد واستبدال صورهم الشخصية بصورة سوداء.

من هذا المنطق تواصل "نهار الشباب" مع مجموعة من المدونين الشباب في الوطن العربي، حيث فاح رحيق الثورات بعد شتاء مضنٍ… يوجه المدون المصري جابر محمد جابر إصبع الإتهام الى ادارة "تويتر" بقوله: "العار لمواقع ارتضت ان تبيع ذاتها وصدقيتها مقابل حفنة من الدولارات لم يتعب اصحابها في جمعها، وبدلا من ان يسجلها التاريخ كمساندة للشعوب فهي تنحاز طوعا الى جلاديها". وضعت الخطوة في قوالب عديدة، منها محاولة "تويتر" زيادة عدد مستخدميه، أو ارتهانه لـ "سلطة المال"، حتى ربطها باستثمار الأمير الوليد بن طلال في الموقع.  
"إن ما قام به موقع "تويتر" هو الإذعان لقوانين الدول القمعية الرثة من أجل هدف واحد هو توسيع قاعدته الجماهيرية ودخول هذه الدول". بهذه الكلمات وصف المدون الموريتاني أحمد جيدو القرار في إسكات العصفور الأزرق، مشيرا إلى ان ذلك سوف يسمح لإدارة "تويتر" بدخول الصين. بيد ان "تويتر" أكد أن هذا القرار اتخذ بناء على طلب الدول ذاتها، وجل ما تقوم به الإدارة هو إلتزام القانون، إذ إن الموقع وكما تقول مديرة قسم حرية التعبير العالمية في جمعية "إلكترونيك فرونتير" – وهي من إنتقدت هذه الخطوة – "ليس فوق القانون".
أما كلام المدون الإماراتي كارم محمود فقد جاء في الإطار نفسه، إذ اعتبر ان "تويتر" يدعم الحكومات في منطق الترغيب والترهيب من خلال خضوعه لحملات الرقابة التي تشنها "وهي لها هدف واحد ألا وهو قمع الصوت الحر إذ إن هذه الحكومات إعتادت البيانات الرسمية".

أما عن تأثير هذه الخطوة على عمل المدونين والناشطين الإجتماعيين العرب – خصوصا حيث الثورات مستمرة – فرواحت آراء المدونين بين الخوف والتحدي. ففي حين كان موقف كارم مفعماً بالأمل بشباب الربيع العربي "بصراحة ومهما زادت الرقابة الإلكترونية فإن المدونين والناشطين يقومون بخطوات جبارة لإيجاد بدائل آمنة"، رأى المدون المصري بسام شمسان ان تداعيات الرقابة ستكون وخيمة على عمل المدونين والناشطين خصوصاً في سوريا ومصر، إذ إن ""تويتر" هو من أهم عناصر التواصل بين شباب الثورة"، الأمر الذي سيعقد بنظره الأمور ويصعب على الثوار عملهم اليومي. على خط مواز، إعتبر المدون اللبناني محمود غزيل ان هذه الخطوة قد تفضي في نهاية المطاف إلى تعريض حياة المدونين للخطر "قد يدخلون إلى المحاكم". ومن جهته، أكد جابر أن لا شيء يقف في وجه رصانة الثوار، لافتا إلى أن مواقع التواصل الإجتماعي "مجرد أدوات وإن حرمونا منها فسنخلق عشرة بدلا منها".
كلمات المدونين كلها اجتمعت على تفسير واحد لهدف السياسات الحكومية من عملية الرقابة، فكان الجواب واحدا "كمّ الأفواه والخوف من القدرات الشعبية". فقد اعتبروا أن هذه القضية هي قضية "حريات" لا أكثر ولا أقل. "العار كل العار لحكومات لا تتعظ من أخطاء غيرها (…) سوف يصيبها ما كتب لغيرها لا محالة" يقول المدون جابر. وبعد PIPA وSOPA والرقابة على "تويتر"، هل تكر السبحة وصولا إلى السيطرة الكلية على كل مواقع التواصل الإجتماعي، وتسنح الفرصة للحكومات بممارسة ديكتاتوريتها إلكترونياً؟ 

السابق
ساطع نور الدين: هي فوضى
التالي
“سوا سوا” مسيرة لسماع صوت المرأة