واتكنز: لم نتلق أية شكوى من مسؤول رسمي

قيل الكثير عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان UNDP. وقيل الكثير أيضاً عن "ارتكابات" نفر من موظفيه في بعض الإدارات العامة، ومن بينها وزارات سيادية وفائقة الأهمية كوزارة المالية، التي يناط بها إعداد الحسابات المالية للدولة. لكن المفاجأة الكبرى والصادمة أن أحداً من الوزراء المعنيين بما قيل وأثير من زوابع واتهامات لم يشكُ أو حتى يتأفف من ممارسات بعض الموظفين العاملين ضمن البرنامج.
المسؤولون عن البرنامج لم يتبلّغوا، بطبيعة الحال، أية شكوى أو حتى ملاحظة ذات طابع جوهري من أيّ من المسؤولين الرسميين في لبنان في ما يتعلق بأداء موظفيهم وبرامجهم، وذلك وفق ما قال لـ"السفير" المنسق الخاص للأمم المتحدة والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان (UNDP) روبرت واتكنز.
وحتى لا نغرق في تعميمات لا طائل منها، لنأخذ مثالاً على ما تقدّم الحكومة الحالية التي تضم بين وزرائها فريقاً سياسياً وصم موظفي البرنامج بأقذع العبارات والتهم في السر والعلن على حد سواء. فقد أبلغت هذه الحكومة ممثل البرنامج واتكنز أن "وزراءها كافة سعداء جداً بالتعاون مع البرنامج الذي ساهم من خلال أداء موظفيه الأكفاء ومشاريعه المجدية في تطوير آليات العمل داخل الإدارة العامة في لبنان، وأنهم يتطلعون بفارغ الصبر إلى تجديد آفاق التعاون مع البرنامج، والى توسيع نطاق ذلك نحو إدارات ومؤسسات لم تطأها أقدام موظفيه بعد".
أبعد من ذلك، يتساءل واتكنز "إذا صح ما ورد عن ارتكابات قام بها موظفونا في إدارة ما، فلماذا لم يحتج أحد لدينا؟ لماذا لم تفسخ العقود الموقعة معنا، بعدما تجاوز موظفونا الصلاحيات المعطاة لهم بموجبها. هذا علماً ان الوزراء لديهم سلطة كاملة على هؤلاء الموظفين فلماذا ارتضوا الإبقاء عليهم فيما هم يتجاوزون القوانين المرعية الإجراء؟".
وأكد واتكنز أن خبراء الـUNDP اجروا دراسة تقويمية تناولت أداء البرنامج وموظفيه في لبنان. وقد توصلت الدراسة إلى خلاصات مهمة أبرزها:
ـ الدعوة إلى إعادة هيكلة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان، وذلك نظراً لأهميته الحيوية بالنسبة لمختلف الإدارات التي أفادت من خدماته. وهذا يستدعي إعادة نظر جذرية بالطريقة التي اعتاد البرنامج العمل على أساسها.
ـ التوصية بتذويب الفريق العامل ضمن البرنامج في هياكل الإدارات الحكومية التي تولّوا فيها مهام لسنوات عديدة، وذلك خلال فترة لا تتعدى 3 سنوات.
هذه التساؤلات وغيرها الكثير من الأجوبة جرى التطرّق إليها في الحوار الذي أجرته "السفير" مع واتكنز. وفي ما يلي نص الحوار:
* ما عدد إجمالي الموظفين العاملين ضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان (undp)؟ وما طبيعة الوظائف التي يؤدّونها في مختلف الإدارات والمؤسسات العامة؟
يبلغ عدد موظفي البرنامج العاملين في لبنان حوالى 104 عاملين، بينهم 85 مستشاراً، فيما يقوم الباقون بتوفير الدعم اللازم للمستشارين في مختلف المجالات. ويتوزع هؤلاء على مختلف الوزارات، لا سيما المالية والتنمية الإدارية والاقتصاد والتربية والتعليم العالي والعدل، إلى جانب رئاسة الحكومة والمؤسسة العامة لتشجيع الاستثمار (ايدال). وثمة نية لتوسيع التعاون في اتجاه إدارات جديدة.
ويضطلع موظفونا بأداء وظائف شتى، من مثل تقديم الاستشارات التقنية حول مختلف القضايا الشائكة والعالية المستوى، وذات الصلة بالإدارات التي يتوزعون عليها في إطار العقود الموقعة مع الدولة اللبنانية. وتتمحور الاستشارات حول السياسات الاقتصادية العامة، وقضايا إصلاح أداء المالية العامة، فضلاً عن مسائل الإصلاح الإداري، والتي يتم التعاون من أجل إرسائها مع وزارة التنمية الإدارية، على وجه الخصوص.
ويمكن اختصار الأهداف المرسومة لمشاريعنا بثلاثة:
أولاً، تقديم الدعم في مجال السياسات العامة.
ثانياً، تصميم وتنفيذ مشاريع إصلاحية.
ثالثاً، تطوير القدرات المؤسساتية.
* قبل بضعة أشهر كثر الحديث عن "ارتباطات مشبوهة" لبعض موظفي برنامج الـundp في بعض الإدارات، التي تولوا وظائف أساسية فيها بموجب عقود تعاون مُدّد لها مراراً وتكراراً. وقيل يومها ان أداء البعض تجاوز نطاق التفويض "التقني" المحدّد في العقود الموقعة نحو أمور حساسة غير ذات صلة بالبرنامج.  ومن أجل استجلاء حقيقة الموضوع أطلقتم دراسة تقويمية حول أداء برامجكم في لبنان؟ ما أبرز التوصيات التي توصلت إليها الدراسة؟ وهل ثبت تورّط أي من الموظفين في أيّ من "التهم" الموجهة إليهم، ومن بينها الثغرات المتعلّقة بتشغيل "نظام المعلوماتية" في وزارة المالية؟
أولاً، لا أعتقد أن موظفينا لهم علاقة بتهم الفساد. والدراسة أجريت لتسليط الضوء على بعض جوانب الضعف التي شابت عدداً من المشاريع المنفذة بالتعاون مع القطاع العام في لبنان، ولتبيان حقيقة بعض التقارير التي وردت في وسائل الإعلام. ولا معلومات عندي حول "نظام المعلوماتية" والثغرات التي شابت عمله في الوزارة، وما علاقة موظفينا بذلك. والتقرير النهائي للتقويم لم يشر إلى ذلك. هذا ومن الضروري أن يعرف الجميع ألا علاقة لموظفينا بكل ما له علاقة بإعداد الحسابات المالية للدولة، فنحن لا نتدخل بوظائف الإدارة التفصيلية بل بسياساتها العامة.
وقد توصلت الدراسة إلى خلاصات مهمة أبرزها:
ـ الدعوة إلى إعادة هيكلة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان، وذلك نظراً لأهميته الحيوية بالنسبة لمختلف الإدارات التي أفادت من خدماته. وهذا يستدعي إعادة نظر جذرية بالطريقة التي اعتاد البرنامج العمل على أساسها.
ـ التوصية بتذويب الفريق العامل ضمن البرنامج في هياكل الإدارات الحكومية التي تولّوا فيها مهام لسنوات عديدة، وذلك خلال فترة لا تتعدى 3 سنوات. إذ تبيّن أنه من الصعوبة بمكان التخلي عن هؤلاء، نظراً للفراغ الكبير الذي قد يخلّفونه وراءهم. وهؤلاء الموظفون يتألفون كما أسلفنا من الخبراء وفرق الدعم.
وقد وافقت الحكومة اللبنانية مبدئياً على هذه التوصية، حيث جرى نقاش حولها بيني وبين كلّ من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووزير التنمية والشؤون الإدارية محمد فنيش اللذين أبديا الموافقة المبدئية، مشترطين قبل الموافقة النهائية انتظار عرضها على الوزراء المعنيين وعلى مجلس الوزراء. وما أن يوافق مجلس الوزراء على التوصية، حتى يتم الشروع بتطبيق التوصية في كل إدارة.
* ألا تعتقد أنه من غير المنطقي أن تثار كل تلك الاتهامات بحق بعض الموظفين من دون أن تكون مستندة في المقابل إلى بعض الممارسات والارتكاب الفعلية التي قام بها موظفوكم في بعض الإدارات التي عملوا فيها لفترات مطوّلة؟
مشكلة هذا الكلام برأيي أنه يتغافل عن بديهية لا تحتمل النقاش. فإذا صحّ ما ورد عن ارتكابات قام بها موظفونا في إدارة ما، فثمة ما يدفعنا إلى التساؤل عن الأسباب التي حالت دون لجوء المسؤولين الرسميين عن تلك الإدارات الينا، بغية الاحتجاج على تلك المخالفات وعلى انتهاك موظفينا لقواعد العمل داخل الإدارات؟ ولماذا، إذا كانت القرائن الدامغة على تلك الاتهامات متوافرة، لم تفسخ العقود الموقعة معنا، بعدما تجاوز موظفونا الصلاحيات المعطاة لهم بموجبها؟ ومتى ما علمنا ان الوزراء لديهم سلطة كاملة على هؤلاء الموظفين، يصير جائزاً التساؤل ههنا: لماذا ارتضوا الإبقاء عليهم فيما هم يتجاوزون القوانين المرعية الإجراء؟
كما ان المسؤولين عن البرنامج لم يتبلغوا، بطبيعة الحال، أية شكوى أو حتى ملاحظة ذات طابع جوهري من أيّ من المسؤولين الرسميين في لبنان في ما يتعلق بأداء موظفيهم وبرامجهم. أما بعض الشكاوى التي وصلتنا فمحورها أن بعض الموظفين عيّنوا أيام وزير آخر، لا أكثر ولا أقل! وكنا نردّ على ذلك بالقول ان موظفينا لا يتبعون سياسياً لأحد، ولكن إذا أردتم استبدالهم فما عليكم إلا ان تخطرونا بذلك. بيد أن ذلك لم يحصل قط. هذا علماً ان موظفينا لا يضطلعون بمهام الوزارات اليومية، إنما يقدمون الاستشارات التقنية حول السياسات العامة فحسب.
برأيي لو أن هذه الاتهامات حقيقية لما كانت الحكومة الحالية أبلغتنا أن وزراءها كافة سعداء جداً بالتعاون مع البرنامج الذي ساهم من خلال أداء موظفيه الأكفاء ومشاريعه المجدية في تطوير آليات العمل داخل الإدارة العامة في لبنان، وأنهم يتطلعون بفارغ الصبر إلى تجديد آفاق التعاون مع البرنامج، والى توسيع نطاق ذلك نحو إدارات ومؤسسات لم تطأها أقدام موظفينا بعد.
* في مقابلة موسّعة مع "السفير" أشار وزير التنمية والشؤون الإدارية محمد فنيش إلى أن من أبرز عيوب برامج الـundp في لبنان استمرارها لفترات طويلة تفوق المدد اللازمة لتطبيق الأهداف المرسومة لها. ما رأيكم بذلك؟
لا بدّ من الإشارة إلى أن أهداف المشاريع المموّلة من الـundp ليس الحلول محل الموظفين العاملين في الإدارات والمؤسسات العامة، بل تقديم خدمات تقنية متخصصة تقتضي كفاءات عالية غير موجودة في الإدارة أو المؤسسة المعنية، وهذه الخدمات من المفترض أنها تؤدّى لفترات محدّدة ومنصوص عليها في العقود الموقعة. ومن الطبيعي أن يتحقق الهدف المنشود، في أعقاب انتهاء مدة البرنامج، لاسيما لجهة تعزيز القدرات الموجودة، فضلاً عن نقل المهارات للإدارة المعنية، بحيث تكون قادرة على تولي المهام كافة المنوطة بعمل الوزارة بعد تأهيلها وتطويرها. لكن شطراً من ذلك لم يتحقق لأسباب عديدة. ونحن الآن بصدد تغيير آلية العمل والقواعد الراعية لها، بحيث يرحل الموظفون من الإدارة لحظة انجاز المشروع وانتهاء المهمات الموكلة إليهم. وفي المستقبل كل من سيستعين ببرامجنا، ستكون الاستعانة لمدة محددة وبغية أداء مهمات معينة، ووفق خطوط عريضة واضحة وجلية. اذ ليس من طبيعة عملنا في نهاية المطاف استبدال الموظفين المدنيين العاملين في الإدارة العامة بموظفينا، وهو أمر ليس مفيداً للبنان ولا للأهداف الموضوعة في البرامج.
وقد اتفقنا مع الوزير فنيش على عقد مؤتمر صحافي لتوضيح طبيعة الأدوار التي نضطلع بها في الإدارة العامة، ما ان يوافق مجلس الوزراء على التوصية التي ذكرناها أعلاه. وناقشنا معه آليات امتصاص فريق الـUNDP في إطار الخدمة العامة. كما ناقشنا الخطوات اللازمة لتكوين فريق استشاري بين الـUNDP ووزارة التنمية والشؤون الإدارية تكون مهمته المركزية التفكير في آليات التنسيق الأنجع بين مختلف المانحين المتعاونين مع الإدارة العامة.
* ما أبرز المشاكل التي اعترضت طريق تطبيق برامجكم في لبنان؟
لا بد من التأكيد على أن الخدمات الاستشارية التي نقدّمها في لبنان، شبيهة بالخدمات التي نوفّرها في البلدان الأخرى حيث لنا نشاط ووجود ملحوظان. لكن، ما يميز لبنان في هذا المجال، أن البرامج التي نفذت بالتعاون مع القطاع العام استمرت لآماد طويلة، ما رتب عليها تحديات كبيرة. إذ من المفترض أن لا يطول البرنامج، أي برنامج، أكثر من 3 سنوات، فيما لدينا برامج لا تزال متواصلة وبانتظام منذ بداية التسعينيات. وهو ما يرتب أيضاً تحدياً آخر، لناحية التمويل المفترض تأمينه من اجل بقاء هذه البرامج واستمراريتها.
يجب التشديد ها هنا على أن لبنان ليس فريداً لناحية المشاكل التي واجهها مع الـUNDP، وعلى أن العديد من الدول واجهت ما واجهه.
* هل من برامج جديدة في المستقبل القريب؟
ثمة مشروعان يدور البحث حولهما مع كل من وزارة البيئة ووزارة الشؤون الاجتماعية، وسيجري الإعلان عنهما بعد الاتفاق مع الوزراء المعنيين. ومن الآن فصاعداً ستأخذ العقود الجديدة التي ستوقّع مع القطاع العام بعين الاعتبار التوصيات الصادرة عن الدراسة التقويمية التي أنجزها خبراؤنا، والتي تنص على آماد قصيرة، لا تتجاوز العامين للمشروع الواحد، وعلى أهداف محدّدة ينبغي تحقيقها فور انتهاء المدّة. 

السابق
الهاجس الأمني يُطيح احتفال 14 شباط
التالي
الصحناوي: ما جرى في مجلس الوزراء مجرد تباين في الاراء في موضوع التعيينات