هواجس جنبلاط وجنون عون

الذين تابعوا اجتماعات مجلس الأمن حول سوريا، أمس وقبله، هالهم مشهد هذه «الحرب الكونية» الباردة الى الآن، والتي سُنّت لها كل الألسن بلغات الأمم المتحدة المختلفة.
وكان مفترضاً ان يثير هذا المشهد بعض الخوف في نفوس اللبنانيين، على تنوع طوائفهم وعقائدهم السياسية، والدينية والمذهبية، في ما ستكون انعكاسات الوضع السوري على الساحة اللبنانية، سواء في حال انهيار الحكم السوري وتشتت قواه العسكرية والسياسية وعبور بعضها الحدود اللبنانية في الشمال والبقاع، او في حال صمود النظام السوري، وعلى رأسه الدكتور بشار الأسد، والحسابات التي ستكون له مع بعض المكوّنات اللبنانية، وكذلك مع أجهزة معينة في السلطة اللبنانية.

وثمة من أدرج «الحرب» السياسية التي تشن على «التيار الوطني الحر» وكتلته النيابية «التغيير والإصلاح» وزعيمه العماد ميشال عون، في إطار إضعاف المتعاطفين مع النظام السوري الحالي، في انتظار الأيام التي ستشهد، في نظر مناوئي النظام السوري، سقوطه، وتالياً انهيار المنظومة السياسية الممثلة بالحكومة الحالية، وحلول حكومة حريرية مكانها، من دون حساب للمقاومة وأنصارها وسلاحها…

وإذ لم تُجدِ معركة السلاح التي خيضت من جانب «تيار المستقبل» في وجه «حزب الله»، تحولت رحى الحرب السياسية على «التيار الوطني الحر»، بغية إحراقه سياسياً من خلال الضغط السياسي والمذهبي الذي يتعرض له الرئيس نجيب ميقاتي بغية عدم الاستعجال في اقرار المشاريع التي يقدمها وزراء تكتل التغيير والإصلاح في الحكومة، حتى لا يُظهر إقرارها على انها إنجاز للتيار في الشارع المسيحي، حيث تقضم «القوات اللبنانية»، كلما سنحت لها الفرصة، أجزاء من رصيده الشعبي، على خلفية تفاهمه مع «حزب الله» ودعمه للمقاومة ودفاعه عن شرعية سلاحها، وهي أمور لا تلقى صدى ايجابياً في أجزاء لا يُستهان بها من هذا الشارع، وكذلك جراء تأييده للرئيس السوري بشار الأسد ودعم المشاريع الإصلاحية التي يعدها وكذلك استنكاره التدخل الخارجي في الشأن السوري عبر تمويل جماعات معارضة وتسليحها مما يثير هواجس لدى جمهور التيار الذي يخشى على الوجود المسيحي في سوريا في حال وصل الى الحكم في دمشق إسلاميون سلفيون على صورة ما يشاهده اللبنانيون كل يوم جمعة في طرابلس والشعارات التي ترفع.  كذلك تساهم في اضعاف التيار شعبياً الحملات التي تشن على وزرائه، وخصوصاً العمل والاتصالات والطاقة، والتظاهرات ضد انقطاع التيار الكهربائي تحت أنظار نواب وفاعليات يشارك وزراؤها التيار الوطني الحر في الحكومة. وهي حملات يعتبرها التيار ظالمة وتندرج في إطار اضعافه من طريق تشويه صورته لدى الرأي العام، وإظهاره مظهر المخرّب والعاجز عن الانجاز والمتصلب في مشاريعه الإصلاحية «الوهمية».
يضاف إلى أسلحة الحرب في المواجهة مع عون وتياره، خلق ازدواجية في المرجعية المسيحية داخل السلطة، ممثلة من جهة بأكبر كتلة نيابية مشاركة في الحكم هي كتلة التغيير والإصلاح، ومن جهة أخرى برئيس الجمهورية الذي تغيّر وضعه بعد الطائف ولم يعد رئيساً للسلطة الإجرائية، وبات «يترأس مجلس الوزراء عندما يشاء من دون أن يشارك في التصويت»، كما يطلب إلى مجلس الوزراء حل مجلس النواب قبل انتهاء مدته استناداً إلى المادتين 65 و77 اللتين تقيدانه بموافقة مجلس الوزراء على ذلك. كما يطلع من رئيس مجلس الوزراء على المواضيع التي يتضمنها جدول أعمال الجلسات الذي يعده رئيس المجلس.

ونصت الفقرة 5 من المادة 65 من الدستور على أن «يجتمع مجلس الوزراء دورياً في مقر خاص» ليكون بعيداً عن تأثير رئيس الجمهورية وتدخله. وأعطي هذا الموضوع أهمية خاصة إذ أدرج في بند على حدة. وفي ظل هذه الازدواجية التي تكرّست عرفاً مقبولاً من رئيس مجلس الوزراء، لأنه يُعفيه من التجاوب مع طلب الرئيس تعديل الدستور لإعادة النظر في صلاحياته، جرى خرق الدستور بعقد اجتماعات دورية لمجلس الوزراء في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس الذي ثابر على ترؤس المجلس، وفي السرايا برئاسة رئيس مجلس الوزراء.

كما جرى، خلافاً للدستور، تخصيص وزارات وحقائب معينة لرئيس الجمهورية يسمي لها من يشاء من أخصامه والقريبين منه، مما جعله شريكاً في «دويكا» في السلطة الإجرائية التي أُخرج منها الرئيس من الباب فعاد ودخلها من الشباك راضياً بما يعطيه إياه رئيس مجلس الوزراء وإن يكن على حساب الدستور وانتظام عمل المؤسسات، الأمر الذي أفقده دور «الحَكَم» والساهر ـ بحسب المادة 49 من الدستور ـ على احترام الدستور». وهكذا بات الرئيس الذي يُفترض أن يكون رئيساً للدولة وممثلاً بكل الوزراء، صاحب حصة ومورّطاً للرئاسة في الصراعات السياسية، ومعرّضاً نفسه للانتقاد وبطريقة مرفوضة أحياناً من معظم اللبنانيين لأنه «رمز وحدة الوطن». وهذا يفسّر جنون عون عليه أخيراً. ويروي الدكتور ألبير منصور، وهو الذي شارك في صوغ دستور الطائف، قصة التواطؤ بين رئيس الجمهورية الذي أُعطي منافع في الحكم ممنوعة عليه بموجب الدستور الجديد، ورئيس مجلس الوزراء، واخصها رشوة الرئيس بوزراء ينتمون إليه وينتفع هو منهم. وهذا التواطؤ بدأ في عهد الهراوي ـ الحريري، وهو مستمر حتى الآن، رغم مرور 6 سنين على خروج الجيش السوري من لبنان.

ويقول منصور ان الرئيس الهراوي قد عطّل، بقبوله بالمحاصصة، «الحكم الجماعي والمشاركة الجماعية لبناء وطن». وأضاف: «ان المشاركة الجماعية في الحكم، لا تعني اقتسام الحكم، بل محاولة بناء وطن، أي تحصينه ضد الهزات، والانتقال به من حكم الطوائف إلى حكم الجماعة حيث المواطنية هي الأساس والمرجع. أي، يضيف منصور: «الأخذ من الامتيازات الطائفية، وإعطاء الدولة ووضعها على طريق إلغاء التمايزات الطائفية».
ويشير الذين شاركوا في صوغ وثيقة الطائف ان الرئيس ممنوعة عليه التصريحات والأحاديث السياسية، وكذلك إلقاء الخطب التي تقيّد السلطة التنفيذية بما يعبّر عنه الرئيس. وهذا مطلوب من رئيس مجلس الوزراء باسم الحكومة مجتمعة وليس من رئيس الجمهورية.
ولقد أدرك خطورة الوضع النائب وليد جنبلاط، العقلاني والمسكون بالهواجس، خصوصاً تلك التي تهب على لبنان من سوريا «في ظل لحظة إقليمية شديدة الحساسية»، داعياً إلى التعاون بين الأجهزة بعد تداول معلومات حول وجود مخططات لاغتيال قيادات وشخصيات، هو إحداها.
ودعا، في ضوء ما اطلع عليه خلال جولته الأخيرة على مراكز القرار الإقليمي والدولي في الموضوع السوري، وآخرها الدوحة وموسكو، إلى التوافق بين اللبنانيين على «الحد الأدنى الذي يحمي استقرارهم، وسلمهم الأهلي، وعيشهم المشترك».  

السابق
شبح إسرائيل يحاصر الثورة السورية
التالي
الأسد واثق من الموقف الروسي