العرب والغرب..تجسير الفجوة

انتهيت تواً من تدريس دورة تعليمية مدتها ثلاثة أسابيع لفصل يناير الدراسي بمقر جامعة نيويورك في العاصمة أبو ظبي. وقد كان التدريس في تلك الدورة تجربة خاصة أتاحها لي هذا المزيج الفريد من الطلاب الذين تجمعوا للدراسة في هذا المكان.
وكان عنوان الدورة هو «تجسير الفجوة بين العالم العربي والغرب» والموضوع الذي تركزت حوله هو فحص الكيفية التي تفاعل بها العالم العربي والغرب خلال القرن الماضي، وكذلك المفاهيم الخاطئة التي يحملها كل طرف عن الآخر، والمشكلات – المأساوية في معظم الأحيان – الناتجة من ذلك، التي عرضتهما معاً للخطر في العديد من المرات.

وخلال الفترة التي سبقت بدء الدورة قمت بتجهيز محاضراتي وإعداد التمارين التي سأقدمها لطلابي لحلها أثناء ساعات الدراسة. وقد خططت الدورة بحيث يقوم الطلاب أنفسهم بإجراء وتحليل استطلاعات رأي عن مواقف المواطنين في العالم العربي والولايات المتحدة، وإعداد مدوناتهم الدراسية الخاصة على شبكة الإنترنت بشأن الفجوة القائمة بين العالمين، والكيفيات التي تتبلور بها (من واقع تجاربهم في بلدانهم المختلفة).

وكان الفصل الذي أُدرّسه يتكون في معظمه من 16 طالباً من طلاب العام الجامعي الأول ينتمون إلى 12 دولة مختلفة تتوزع على أربع قارات: 4 طلاب عرب من الإمارات ومصر وليبيا، وفلسطيني من سكان لبنان، يحمل كل منهم في جعبته قصة مشوقة يحكيها، بالإضافة إلى 4 طلاب أميركيين، وطلاب آخرين من المملكة المتحدة، والدانمرك والبوسنة وكينيا والهند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية. وعلى رغم الاختلافات الفردية القائمة بينهم إلا أنهم كانوا في الأغلب الأعم «من القماشة نفسه» أو بمعنى آخر فقد كانوا «تنويعات على اللحن نفسه» ويتميزون جميعاً بالذكاء، والرغبة في المعرفة، والفصاحة في التعبير، والعمق في التفكير، والانفتاح على التعلم بعضهم من بعض.
 وبعد مقابلة الطلاب في اليوم الأول للدورة، أدركت أنه بالإضافة إلى رغبتهم في التعلم والإلمام بالمكان الذي يدرسون فيه – دولة الإمارات العربية المتحدة، والعالم العربي عامة – إلا أنه كان لديهم إلى جانب ذلك كثير مما يمكن المشاركة فيه بشأن تجاربهم المتعلقة بمواجهة الجوانب العديدة للفجوة، ليس فقط القائمة بين العالم العربي والغربي، وإنما أيضاً تلك التي تشكل ملمحاً بارزاً من ملامح العالم المعاصر في مجمله. وقد أراد الطلاب الأميركيون الأربعة، وهم من ولايات مينيسوتا، وأوهايو، وفرجينيا، ونيوجيرسي، أن يحكوا عن الطريقة التي قامت بها ولاياتهم بمواجهة تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الصوماليين، كما أراد طلاب آخرون أن يحكوا عن الانقسامات العرقية والدينية التي شكلت التاريخ الحديث للهند وإندونيسيا والبوسنة، وهي كلها حكايات تحولت في ما بعد، إلى موضوعات للدراسة والبحث أثناء الدورة، وهو ما ينطبق كذلك على التوترات الحديثة التي واجهت المهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة، وبريطانيا، والدانمرك.

وقد تحدث بعض الطلاب الأميركيين عن المخاوف التي عبر عنها أهلهم وأقرانهم عندما أعلنوا – الطلاب – عن رغبتهم في الذهاب للدراسة في العالم العربي؛ كما تحدث، في المقابل، عدد من طلابي العرب من جانبهم عن ردود فعل مشابهة لدى أهلهم وأقرانهم، عندما أعلنوا عن رغبتهم في الذهاب للدراسة في الولايات المتحدة الأميركية.

وكان هناك كثير مما يمكن روايته والكتابة عنه، وهو ما قمنا به خلال مدة الدورة. والشيء الذي كان لافتاً للنظر على نحو استثنائي، هو ذلك الاستعداد المتبادل لتقديم العون والمساعدة الذي أبداه الطلاب تجاه بعضهم بعضاً. وعلى رغم أن عمر جامعة نيويورك – فرع أبو ظبي ـ لا يتجاوز عامين، إلا أن الملاحظ أن هناك ثقافة قد خلقت في هذا المكان الرائع، الذي يشكل في حد ذاته تجربة تعليمية بارزة تم من خلالها خلق الفرصة لمجموعة من الطلاب للاجتماع، والتعلم بعضهم من بعض بنجاح فاق كل التوقعات. 

السابق
الشعب السوري يريد استعادة بلده…
التالي
نحاس: لاحترام صلاحيات ميقاتي