الشعب السوري يريد استعادة بلده…

كلّما مرّ يوم يتبين ان كلّ من راهن على امكان اصلاح النظام في سورية، انما يراهن على سراب. ما الذي يستطيع النظام عمله غير الرحيل عندما تكون القضية قضية شعب يريد استعادة بلده. هذا كلّ ما في الامر، هذا ما يختصر المشهد السوري هذه الايّام. فمع دخول الثورة الشعبية شهرها الحادي عشر، من الواضح ان الشعب السوري يسعى الى استعادة سورية. كلّ ما في الامر ان هناك شعبا يريد العودة الى الحضن الدافئ لوطنه لا اكثر. يبدو الشعب السوري مصمّما على ذلك، على الرغم من كلّ التضحيات المتمثلة في سقوط آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى وعمليات التدمير المنظمة لمدن وقرى كما يحصل في حمص وحماة او دوما القريبة من دمشق.
المهمّ استعادة الوطن ولكن من دون حرب اهلية يسعى اليها النظام، حرب يمكن ان تهدد وحدة سورية.

للمرّة الاولى منذ سنوات، اي منذ العام 1990، لدى الاحتلال العراقي للكويت في عهد صدّام حسين، تتخذ جامعة الدول العربية خطوات جريئة. هذا عائد الى حد كبير الى وجود مجموعة من الدول العربية على استعداد لاخذ المبادرة بعيدا عن اي نوع من العقد. على رأس هذه العقد رفض الاستعانة بمجلس الامن بغية اتخاذ القرارات الواجب ان تتخذ. لو لم تكن هناك تغطية عربية حقيقية لثوار ليبيا وثورتها، لكان العقيد معمّر القذّافي لا يزال جاثما على صدور الليبيين. صحيح ان الوضع في ليبيا يمكن أن يتدهور في غياب أي مؤسسات وطنية قادرة على ضبطه. لكنّ الصحيح ايضا انه لم يكن هناك اي أمل لليبيين بمستقبل افضل مع بقاء القذّافي في السلطة مهيمنا على كلّ ثروات البلد رافضا قيام أي مؤسسة من أي نوع كان باستثناء الاجهزة الامنية الموالية له والتي لا همّ لها سوى حمايته وحماية نظامه الذي اسماه «الجماهيرية» والقائم على الغاء ليبيا والليبيين وتحويل هؤلاء شعبا جائعا وبائسا في حاجة دائمة اليه.
يفترض في العرب جميعا الوقوف مع المبادرة التي اقرّتها الجامعة. هذه المبادرة الهادفة الى اعادة سورية الى السوريين ومساعدة الشعب السوري في تحقيق طموحاته. لعلّ اخطر ما في الامر ان اي تراجع عربي من اي نوع كان واي تراجع دولي في مجلس الامن سيصبان في ادخال سورية في خضم حرب اهلية، حرب تدور حاليا على نارخفيفة.
 هناك بوادر لحرب أهلية في سورية. هذه حقيقة اولى لا يمكن تجاهلها. الحقيقة الأخرى ان الوسيلة الوحيدة للحؤول دون تلك الحرب سير العرب الى النهاية في مبادرتهم الهادفة الى تحقيق انتقال سلمي للسلطة في هذا البلد العربي المهم. لا مخرج من حرب اهلية في سورية من دون انتقال سلمي للسلطة يضمن عودة سورية الى السوريين بعد تسعة واربعين عاما من الذلّ والحكم الفردي افقرا البلد وجعلا افضل السوريين يرحلون عن سورية.
ما يشجع على التفاؤل بمستقبل سورية البيان الاخير الصادر عن «المجلس الوطني» السوري الذي يحدد مستقبل طبيعة العلاقة مع لبنان. هناك بيان يحرر السوريين للمرة الاولى من عقدة لبنان ويؤكد ان العلاقة بين البلدين الجارين المستقل كلّ منهما عن الآخر هي علاقة بين متساويين وليس بين بلد يمتلك حق الوصاية على بلد آخر. ما لم يقله البيان التاريخي الصادر عن المعارضة السورية ان ازدهار دمشق من ازدهار بيروت وان ازدهار بيروت من ازدهار دمشق وانه ليس صحيحا ان تدمير بيروت يمكن ان يؤدي الى انتقال الثقل الاقتصادي والسياسي الى دمشق. ان مثل هذا التفكير الذي كان رائده الرئيس الراحل حافظ الاسد كان وراء خراب لبنان وخراب سورية في آن. تكمن مشكلة الرئيس بشّار الاسد في انه لم يستطع الخروج عن هذه المدرسة فكرّر اخطاء والده في عالم لم يعد يتحمّل مثل هذا النوع من الاخطاء القاتلة.

ما لم يقله بيان المعارضة السورية ايضا ان العلاقات الطبيعية بين سورية ولبنان تمثل رفضا للوصاية الايرانية على سورية كما ستساعد لبنان من الخروج من الوصاية الايرانية التي تحاول الميليشيا المسلحة المسماة «حزب الله» فرضها على الوطن الصغير. كان هناك فهم عميق لدى المعارضة السورية لأهمّية العلاقة مع لبنان. ولذلك، لم يكن هناك اي تردد لدى «المجلس الوطني» في تأكيد ان لا بدّ من ترسيم الحدود بين البلدين، بما في ذلك مزارع شبعا. من يقول ان هذه المزارع لبنانية فعليه اتباع كلامه بالافعال، اي الاعتراف بضرورة ترسيم الحدود بين البلدين، اقله من اجل تأكيد ان سورية تعترف باستقلال لبنان لا اكثر ولا اقلّ بدل استمرارها في تهريب الاسلحة اليه…

ابعد من استعادة السوريين لوطنهم، هناك استعادة العرب لسورية. سورية بلد مهمّ. لكن هذا البلد لا يمكن ان يبني اهميته على سياسة تقوم على الابتزاز ولا شيء آخر غير الابتزاز عن طريق تصدير الامن والامان الى المحيط العربي وتهديد هذا المحيط بالارهاب في حال عدم انصياعه لمطالب النظام السوري.
هناك لعبة سياسية انتهت. طالت هذه اللعبة اكثر بكثير مما يجب. جاء وقت لم يعد امام العرب سوى قول كلمتهم. فحوى الكلمة ان المصلحة العليا للعالم العربي ككل تقضي بتفادي حرب اهلية ذات طابع مذهبي في سوريا من جهة وان ليس في الامكان تفادي مثل هذه الحرب من دون انتقال سلمي للسلطة من جهة اخرى.
آن اوان قول العرب بالفم الملآن انهم ما زالوا موجودين على خريطة الشرق الاوسط وانهم سيساعدون السوريين على استعادة سورية! 

السابق
جواب بان كي مون
التالي
العرب والغرب..تجسير الفجوة