قلق المقاومة

بعيداً عن أوهام القوة، وما يمكن أن تصنعه الدعاية السياسية بالبعض، وكيف يمكن أن تتخيل بعض الرؤوس الحامية أن النزاعات العصبية المسلحة قد تؤدي إلى حسم نهائي في الصراعات الكبرى، أو تلك الدينية، أو تقرر «مرة واحدة وإلى الأبد» مصير الشيعة في المنطقة، أو سيطرة السنّة نهائياً على المنطقة.
وبعيداً عن إرادة بعض الأغبياء، أو بعض المستفيدين من تحويل التغييرات في المنطقة التي بدأت منذ عام 2000 وتسارعت في العام السابق، من صراعات سياسية ذات أهداف مصلحية لدول بعيدة عن المنطقة، إلى نزاعات مذهبية نعرف كيف تبدأ ولا نعرف كيف تنتهي.

بعيداً عن كل ذلك، يمكن تخيل خيبة أمل حقيقية يشعر بها كل من يقف على مسافة قريبة من المقاومة التي يقودها حزب الله، حيث كانت إلى وقت قريب تبدي حرصها على العلاقة مع كل الأطراف السياسية الفاعلة في المنطقة، وفي لبنان خاصة، وعلى رأسها كل الأطراف الإسلامية. واليوم ها هي تشاهد مؤتمر شباب الصحوة من دون حضور إخواني، لأي من فصائل الإخوان في الدول الإسلامية، ولا حتى حركة حماس. هناك ما يجرح في القلب عند كل من يؤيد المقاومة، وخصوصاً لدى أولئك الذين في حزب الله وكانوا إلى الأمس القريب يعتقدون أن ما يجمعهم بالإخوان أكثر مما يفرقهم.

ليست المسألة عاطفية محضة، ولا تمس المشاعر فقط، بل تثير القلق، وإن كان حزب الله والمقاومة لا يشعران بتوتر مما يحصل في سوريا أو ما يحصل مع حركة حماس، أو تجاه موقعهما في المنطقة وفي لبنان خاصة، إلا أن قلقاً جدياً بدأ يتسرب إلى من يعنيهم الأمر، ولا يغتر هؤلاء بوهم القوة، أو كما يصفهم خصومهم بأنهم سكروا بفعل فائض القوة.
في العمق يعلم حزب الله أن من كان يعدّهم خصومه في السياسة، ومن رفعوا ضده الاتهامات في المرحلة الماضية، قد شرعوا في الإعداد لأرضية تحمل خلافاً من نوع أشرس من السابق، وأعمق من الخلاف الذي شهده لبنان في المرحلة الممتدة من عام 2005 وحتى اليوم. أما أولئك الذين كانوا إلى حين قريب أصدقاء، لكن تبعدهم عن حزب الله والمقاومة مجموعة خلافات أو اختلافات في الرؤية، وعلى رأسهم الإخوان في لبنان (الجماعة الإسلامية)، فقد قطعت الاتصالات من طرفهم بالحزب، من دون أي مبرر أو مسبب جدي يستحق أن يؤخذ في الاعتبار، بعد أن كانت العلاقات تمر في فترات من البرود من دون أن تنقطع الاتصالات.
أما أصدقاء الحزب والمقاومة من بقية الأطراف المنضوية تحت لواء الثامن من آذار، والمحسوبين على السنّة، فقد بدأت تتردد في غرفهم المغلقة وخلال لقاءاتهم بالجماعة الإسلامية عبارات شديدة المذهبية، مفاجئة، ومحبطة، وفيها حديث عن «الانتماء إلى الطائفة أولاً» وغيره من الأحاديث والمواقف التي تبرر المرحلة الماضية والحالية والتصاقهم بحزب الله وإيران وسوريا.

كل ما يدور حالياً لا يبشر بالخير. لن تتطور الأمور من السيئ إلى الأفضل. واضح أن السياق هنا تصاعدي. ثمة من يحاول عزل المقاومة، وقد يكون هذا أسوأ سيناريو، لكنه محتمل دائماً، محاولة عزل على خلفية موقف الحزب من الأحداث السورية، وعلى خلفية ما قد يصفه الحزب بـ«الوفاء لما قدمته لنا سوريا في الماضي»، ومن الموقف نفسه انطلق أولئك الذين يقطعون علاقتهم بالحزب، أو لا يردّون على اتصالات مسؤوليه، ويرسلون مع الأصدقاء المشتركين تعبيرات تشي بالحرج وبالبرودة معاً.

تراقب المقاومة ذلك العمق الذي كانت تمثّله الشوارع العربية من مصر إلى تونس والجزائر وسوريا طبعاً، وهي تتحول من مناصر للمقاومة ومتعاطف ومتضامن معها خلال حربها عام 2006، على الرغم من الأنظمة التي كانت تتآمر على المقاومة، وتقمع شارعها. لكن ها هي اليوم الصورة تتغير، فهناك من يصدق أن البند الأول في برنامج حزب الله هو نشر المذهب الشيعي في مصر، بلد الأغلبية السنية المطلقة، الذي يضم 85 مليون مواطن. وهناك من يسعى كل يوم إلى تكريس هذا الاقتناع في مصر.

مصر نفسها التي كانت المقاومة تترقب أن تهبّ القاهرة بعد ثورتها العام الماضي لتقف ضد السفارة الإسرائيلية، ولتحتشد على الحدود مع غزة وتفتحها أمام السكان المدنيين، وتسمح بنقل كافة وسائل الحياة إلى الداخل الفلسطيني، رأت المقاومة حركة الإخوان تنسحب من التظاهرات ضد السفارة الإسرائيلية، وتتخذ موقفاً مبرراً لمعاهدة السلام مع إسرائيل، وتمتنع عن المشاركة في يوم النكبة على الحدود مع فلسطين المحتلة.

ولأن الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، سريعا التعلم، لن يكون تدخل عسكري مباشر، ولأن إسرائيل تفتقر إلى قدرة الردع التي كانت تملكها سابقاً، فإن هناك من يسعى إلى استتباع مرحلة ما بعد النظام السوري بحالة من الحصار للمقاومة في لبنان ــــ وقد يكون هو أسوأ سيناريو ــــ في محاولة لجرّ حزب الله إلى الغرق في أتون نزاع مذهبي، بدل احتفاظه بموقعه في مواجهة إسرائيل. 

السابق
الاخبار: وزراء عون مبسوطين: مجلس الوزراء بلا عرقلة
التالي
هل يؤجل الحريري عودته؟