النهار: سـوريــا: أول التدويل

شهدت الأمم المتحدة أمس حشداً ديبلوماسياً استثنائياً لمناقشة الأوضاع المتدهورة في سوريا، تخلله طلب واضح من مجلس الأمن كي يتخذ قراراً حازماً يدعم المبادرة لوقف ما سماه رئيس اللجنة الوزارية العربية المعنية بالشأن السوري رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني "ذبح" الشعب السوري، في محاولة لإخراج هذا البلد من "أزمته الطاحنة" على حد تعبير الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي. وعلى رغم قول وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن سقوط الرئيس بشار الأسد "محتوم" والتحذيرات الأوروبية، بدت روسيا متمسكة بموقفها المدافع عن حليفها القديم على السواحل الدافئة للبحر الأبيض المتوسط، مجددة دعوتها الى الحوار بين كل الأطراف السوريين في موسكو، ومعارضتها أي تدخل عسكري خارجي وأي محاولة لتغيير النظام عبر قرار لمجلس الأمن. وهذا ما تناوب على نفيه المسؤولون الغربيون.
وإذ يعقد مجلس الأمن جلسة إضافية غير رسمية اليوم لمتابعة المشاورات والمفاوضات في شأن مشروع القرار الذي قدمه المغرب، علمت "النهار" من مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاع أن البعثة الروسية تسعى الى دمج مشروعها بالمشروع المغربي "لئلا تظهر مظهر المعطل للمبادرة العربية". غير أن ديبلوماسياً غربياً أفاد أنه "سمع" من المسؤولين العرب في نيويورك أنهم "لن يقبلوا بغير الدعم التام من مجلس الأمن للمبادرة العربية. لن يقبلوا بتجزئتها، وتالياً القبول بهذه الجزئية والإعتراض على تلك". ورجح التصويت على مشروع القرار المغربي الجمعة المقبل "حتى لو كانت روسيا ستمارس حق النقض، الفيتو"، مع العلم أن "الأوروبيين يبدون مرونة لتعديل بعض العبارات من أجل تسهيل عملية التصويت على القرار من دون تعطيله بحق النقض".


حمد بن جاسم
وفي مستهل الجلسة التي افتتحها رئيس مجلس الأمن للشهر الماضي المندوب الأفريقي الجنوبي الدائم لدى الأمم المتحدة السفير بازو سانغكو، تحدث رئيس لجنة التنسيق العربية المعنية بالشأن السوري رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، عارضاً لمراحل المبادرة العربية، وقال: "بدأت الجامعة العربية البحث في الأزمة السورية بعد نحو ستة أشهر من اندلاعها، ونحن نأتي اليكم بعدما حاولنا لخمسة أشهر أخرى لكي تقوم الحكومة السورية بحل الأزمة مع شعبها طبقاً لمقررات الجامعة العربية"، لكن "مبادراتنا وجهودنا ذهبت أدراج الرياح، إذ لم تبذل الحكومة السورية أي جهد مخلص للتعاون مع جهودنا ولم يكن لديها حل ويا للأسف سوى قتل شعبها". وتساءل: "ما هو الحل أمام شعب يذبح؟"، مضيفا أن "النظام السوري يروج فكرة وجود أجندة خفية لبعض الدول ضده. وهذا كلام باطل". وأشار الى أن 384 طفلاً قتلوا "ولا أعتقد أن أحداً من هؤلاء الأطفال كان عضواً في جماعة ارهابية مسلحة".
وإذ ذكر الحاضرين بأن مجلس الأمن اتخذ "موقفاً مشهوداً في دعمنا سواء على الصعيد الوطني في سعينا الى حل مشاكل دارفور ولبنان والنزاع بين أريتريا وجيبوتي أو على صعيد الجامعة العربية في حرب لبنان أو حرب غزة، قال: "نحن نتطلع بالروح نفسها الى أن يكون لمجلسكم موقف ايجابي في مساندة الموقف العربي في شأن الأزمة السورية… اننا لا نطلب تدخلاً عسكرياً… كما أننا لا نهدف الى تغيير النظام لأن ذلك شأن يعود الى الشعب السوري". وخلص الى أن "استمرار الوضع في سوريا على ما هو عليه يهدد المنطقة بأسرها وينذر بأوخم العواقب
".

العربي
وتبعه الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي ومما قال إن المجلس يجتمع "في وقت تتفاقم فيه الأوضاع في سوريا بشكل خطير، بما يتطلب تضافر الجهود الدولية مع الجهود العربية للتحرك السريع والحاسم، أولاً لضمان وقف العنف فوراً حماية للشعب السوري، وثانياً للبدء في أسرع وقت بتطبيق خريطة طريق لحل سياسي سلمي تخرج سوريا من أزمتها الطاحنة". ورأى أن "الأولوية الحاكمة الآن هي اصدار قرار من مجلس الأمن يطالب جميع الأطراف بالوقف الفوري لاطلاق النار وحماية أرواح السوريين، ودعم خطة العمل العربية للوصول الى حل سياسي سلمي للأزمة". وكرر أن الجامعة "تتطلع الى قرار داعم من مجلس الأمن… يتبنى الطرح السياسي العربي كأساس لمعالجة الأزمة السورية، ويدعم مهمة بعثة مراقبي الجامعة العربية عند استئنافها".

الجعفري

ورفض المندوب السوري السفير بشار الجعفري في كلمة له المسودة الاخيرة من مشروع القرار الاوروبي – العربي. وقال إن سوريا ستواجه بحزم "أعداءها"، متهما الجامعة العربية بأنها "تلتقي مع المخططات غير العربية الهادفة الى تدمير سوريا". ورأى أن في مشروع القرار "التفافا على نجاح مهمة" المراقبين العرب في سوريا.

كلينتون
وتكلمت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بلهجة قاسية للغاية ضد ما سمته "الحكم الوحشي" للرئيس بشار الأسد. وإذ حضت مجلس الأمن على "مساندة مطلب جامعة الدول العربية بأن توقف الحكومة السورية فوراً كل هجماتها على المدنيين"، قالت: "نعلم جميعنا أن التغيير آت في سوريا. على رغم تكتيكاته العنيفة، فإن حكم الإرهاب الذي يعتمده الأسد سينتهي وسيقرر الشعب السوري مصيره". وتساءلت: "كم سيموت المزيد من المدنيين الأبرياء قبل أن ينحني الأسد للمحتوم". واعتبرت أن النظام في سوريا "قاد سوريا الى حافة الفوضى، وكلما طال استمرار الأسد (في الحكم)، صعبت اعادة البناء بعد رحيله". وأكدت أن "التغيير لا يزال يمكن انجازه من دون تفكيك الدولة أو انتاج طغيان جديد". ونفت أن يكون في نية واشنطن وحلفائها جعل سوريا ليبيا أخرى.

هيغ

وتبعها نظيرها البريطاني وليم هيغ الذي لفت الى أن "العالم العربي يطلب الآن من مجلس الأمن أن يضع ثقله وسلطته خلف خطة" جامعة الدول العربية، موضحا أن مشروع القرار "لا يقترح فرض تغيير في سوريا من الخارج، بل يدعو الى السماح للشعب السوري لتحديد خياراته". وحذر من أخطار "تقويض صدقية" الأمم المتحدة ومن "خيانة الشعب السوري وازدراء جامعة الدول العربية".

لينك
وقال وزير الدولة الألماني للشؤون الخارجية مايكل لينك: "يجب أن نقبض على الفرصة" التي يشكلها طلب الجامعة العربية من مجلس الأمن الذي "آن الأوان كي يتحرك".

جوبيه
وشدد نظيره الفرنسي آلان جوبيه على أن "الصمت لم يعد مقبولاً" حيال "الرعب الوحشي" في سوريا، وأن "هناك ما يكفي من عواقب الأزمة كي يتحمل مجلس الأمن مسؤوليته". وقال: "يجب أن نصوت الآن على نص" مشروع القرار الذي قدمه المغرب"، موضحاً أن الحديث عن "خطة للتدخل العسكري هو خرافة".

تشوركين
وفي مقابل هذه المواقف، تحدث المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة السفير فيتالي تشوركين بلهجة مختلفة، فقال إن "روسيا، التي تتمتع بعلاقة صداقة وثيقة مع الشعب السوري والعالم العربي، كافحت ليتمكن الشعب السوري من أن يقرر بنفسه من سفك دماء"، مضيفاً أن "دور المجتمع الدولي ينبغي ألا يصعد الصراع أو أن يتدخل باستخدام العقوبات الإقتصادية أو استخدام القوة العسكرية". ودعا الى التركيز على الحوار. وكرر أن بلاده تعتبر تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية خطوة "غير منتجة". وجدد دعوة أطراف الأزمة الى الذهاب من أجل التحاور في موسكو، مذكراً بأن بلاده قدمت مشروع قرار "يتلاقي في بعض نقاطه" مع مشروع القرار المغربي، مما "يبعث الأمل في أن يتوصل مجلس الأمن الى اجماع، ليس فقط ممكناً بل هو أيضاً ضروري".ورأى أن قرار سحب المراقبين العرب ومن ثم تعليق مهمتهم لم يكن قرارا بناء. وأفاد انه شاهد على التلفزيون السعودي قائدا سلفيا يدعو الى الهجوم على المراقبين.
وأكد أنه "لا يجوز أن يفرض مجلس الامن شروط تسوية داخلية (للأزمة). بكل بساطة لا يمكنه ان يفعل ذلك".

لي باودونغ
وأيده نظيره الصيني لي باودونغ الذي قال إن "المجتمع الدولي يمكنه الإضطلاع بدور ايجابي وبناء" في سوريا من خلال "توفير المساعدة على تسوية سياسية سلمية… عبر الحوار". وأعرب عن معارضته استخدام القوة وممارسات تدفع الى تغيير الأنظمة.
وكان اجتماع لأعضاء مجلس الأمن على مستوى الخبراء استمر أكثر من ست ساعات ولم يؤد الى أي نتيجة يمكن أن تردم الهوة أو تضع حداً للخلافات بين المجموعة العربية المدعومة خصوصاً من الولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهة، والجهة المقابلة روسيا ومعها الصين والهند وجنوب أفريقيا.  

السابق
تصريحات أميركية متناقضة
التالي
السفير: مجلس الأمن: حمد والعربي يتوسلان التدخل الدولي … وسوريا تذكّرهما بالعروبة