الاسرائيليين هم شعب متألم وكئيب

يبدو ان الاسرائيليين هم شعب متألم وكئيب. فثمانون في المئة منهم بحسب استطلاع الرأي الصارخ لمعهد غوتمان يؤمنون بالله. والحديث في ظاهر الامن عن معطى صعب. وامتعاض جدعون ليفي («ليحفظنا الله»، هآرتس 29/1) مفهوم.
لكن توجد ظروف مخففة. فالاسرائيليون لم يعرض عليهم قط بديل فكري على نحو منظم ومتسق. وقد كوش عليهم اصحاب النيات الخيرة بمباحثات في «العلمانية»، و»الارغام الديني» و»الوضع الراهن»، محددين بذلك الخطاب في شؤون نهج الحياة. والالحاد في العالم الغربي هو تصور عام حي فوار وفلسفة حياة. وهو في اسرائيل بمثابة تجربة شعورية خاصة. وينبغي أن نضيف الى ورقة الحساب ايضا بلبالا وجوديا أحدثته الصهيونية، فالشعب اليهودي هو الشعب الوحيد في العالم الذي يعرف بالدين. ويصعب أن نتوقع من يهودي اسرائيلي من الاوساط ان يشق طريقه بصورة مستقلة بين الهويات المتشابكة وان يفهم هل وكيف يمكن أصلا الانتماء الى الشعب اليهودي والى الدولة اليهودية من غير ايمان بالدين اليهودي.

أحسن ليفي في السياق الوطني الاشارة الى المعطى المقلق حقا في استطلاع الرأي وهو أن 70 في المئة من المستطلعة آراؤهم يؤمنون بجدية أن اليهود هم «الشعب المختار». وقد استنتج من هذا وبحق معاني سياسية بعيدة المدى. لكن الشيء المقلق عند انصار نظرية الشعب المختار هو الخوف من أنهم ليسوا حكماء بصورة مميزة. وليس الحديث فقط عن المستوى اللاهوتي في الحد الادنى الذي يستطيع ان يظهره رجل غربي في سنة 2011 بل عن التجاهل العجيب للمحرقة وتأثيراتها الدينية. ان قتلا منهجيا وناجعا لستة ملايين يهودي كان يفترض أن يصبح تحديا في الاقل في هذا التصور الصلف تصور «انت اخترتنا».لكن الاسرائيليين المؤمنين يختارون كبت هذا الامر كبتا انتقائيا بالطبع. وهي نفس المحرقة التي يؤمن 98 في المئة منهم أن ذكراها يجب ان تكون المبدأ الموجه في الدولة كما حددت الامر ميراف ميخائيلي («دين المحرقة»، هآرتس – 30/1). ويسأل سؤال ماذا نفعل بهذا الواقع الفكري الذي يسبب الكآبة. لهذا السؤال جواب على نحو مفاجئ وهو ليس معقدا بصورة خاصة. ويستطيع حتى الرأس اليهودي الذي يخترع لنا الاختراعات ان يستريح هذه المرة. فقد تم تجريب هذا الجواب من قبل بنجاح في افضل دول الغرب والجواب هو الفصل. فالدين على حدة – في البيت الخاص وفي دار العبادة والدولة على حدة.

ان الاميركيين شعب متدين جدا. ويؤمن ألمان وفرنسيون كثيرون ايضا بالله. لكنهم لا يشركونه في السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية. ويؤمن كثير من الاسرائيليين بأن القطط السوداء تجلب سوء الحظ أو أنها تتصل بصورة شعورية متطرفة بفريق كرة القدم الذي يشجعونه. ولا يخطر ببالهم ان يسنوا قوانين توجب البصق على الرصيف في كل مرة يمر فيه قط اسود، ولا يتوقعون أن يصبح تشجيعهم الشخصي في فريق بوعيل او بيتار نصيب الجميع. لكن كثرة غالبة من الاسرائيليين تجد منطقا في تنظيم دورة الحياة كلها – الزواج والطلاق والخدمة العسكرية والتغذية والنقل العام والدفن – بحسب شرائع دينية شاملة دون امكان اختيار.
يسعى هذا المكبس الديني الذي تموله الدولة وتستعمله على الديوان الى ضعضعة الاسس السيادية والديمقراطية للدولة، وهو في الاثناء يجعلها قومانية تؤمن بالقوة وتدور حول ذاتها. هذه هي قصة الاسرائيلية التي تهزم نفسها باختصار.

السابق
فياض يواصل الاجتماعات التمهيدية مع ممثلي القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والنقابية
التالي
حوار حول المساعدة على الحمل ورأي رجال الدين