تريدون ثورة؟؟ تفضلوا

لا يكفي بيان «المجلس الوطني السوري» عن تخيّل العلاقات المستقبلية بين بيروت ودمشق في مرحلة «عهد الثورة العتيد»، لنزع الصاعق السوري من برميل البارود اللبناني. لا، بل في ظل التطورات المتسارعة، داخلياً وبينياً، يبدو البيان المذكور كأنه جزء من فتيل انفجارنا الآتي، أو كأن لا جدوى منه ولا وجود، في أحسن الأحوال.
فالبيان المصوغ بلغة «آذارية» واضحة ــــ والبعض يقول بقلم «مستقبلي» معروف، على طريقة «الدكتيلو» الثوري، بدل الأمني ــــ تحول فوراً حلقة ضمن سلسلة التداعيات اللبنانية الخطيرة للأزمة السورية. ذلك أنه سرعان ما اصطف وصنّف، كمضمون وكأصوات مرحبة به ومؤيدة له، في خانة «الاحتفالية الانتصارية المبكرة»، من ضمن ردود الفعل المعروفة لبنانياً حيال ما يجري في سوريا. وهو رد فعل يسعّر أزمتنا المشتركة ويعمّقها، كما كل الردود الأخرى.

أصلاً، حتى لو سلّمنا جدلاً بأمرين افتراضيين: أولاً أن أصحاب هذا البيان صادقون في كلامهم، وثانياً أن الوضع في سوريا سيتغير، تبقى معطيات الواقع السوري والمعطيات المأخوذة بالقياس من التجارب «الثورية» الأخرى: فهل من يصدّق أن دمشق ما بعد الثورة، ستكون مختلفة عن تونس أو القاهرة أو طرابلس الغرب؟ هل من يصدق أن نزلاء باريس سيكونون هم فعلاً الحكام الجدد؟ هل من يفكر لحظة في أن هذه الأسماء الأكاديمية الليبرالية اللمّاعة البرّاقة (رغم الماضي الأمني الاستخباري لبعضها ولو تحت غطاء الترجمة الفورية)، لن تلحق بعشرات أسماء حطب الثورات الأخرى الآكلة لأبنائها البكر؟ هل من يشك في أن الحكم السوري الثوري، في حال حصوله، لن يكون لميشيل كيلو وفايز ساره وحسن عبد العظيم وزملائهم من مثقفي سوريا الإنسانيين الديموقراطيين، الذين أخطأ النظام طويلاً بحق سوريا، حين أخطئ بحقهم، بل سيكون حكم الثورة لشيء ما، أقرب ما يكون إلى ما بين العرعور والشقفة، تماماً كما بلحاج طرابلس وما على يمين غنوشي تونس وبكار القاهرة؟؟؟
هكذا، ليس مطلوباً من ثوار باريس نداءات إلى اللبنانيين. إلا إذا كان الهدف من كتابتها دعماً بلدياً لتظاهرة حريرية مقبلة. بل المطلوب من أهل «الثورة السورية» أن يتوجهوا الى السوريين أولاً، وربما إليهم وحدهم، ليسمع عبرهم كل بشر المنطقة المحيطة، فيقولوا لأبناء وطنهم ماذا سيفعلون، إذا حكموا، بمسائل كالآتية:أولاً، هل سينزعون عن الدولة، كإطار وضعي ناظم للعلاقة بين البشر، أي هوية دينية، لتصير فعلاً دولة؟
ثانياً، هل سيرفضون أن يكون لرئيس الدولة السورية دين محدد، تماماً كما اضطر حافظ الأسد إلى أن يضمِّن دستوره لعام 1973، بضغط من شارع الذين باتوا اليوم حلفاء الثوار؟
ثالثاً، هل سيرفضون أن يكون التشريع القانوني السوري مستمداً من أي غيبيات، بل من مرجعيات فقهية إنسانية حقوقية وضعية شاملة؟
رابعاً، كيف سيقنعون المنتصرين المفترضين من أنصارهم الحاليين، بأن نداءات التعبئة «الجزيرية» و«العربية» التي تغسل عقولهم اليوم، تحت رايات الدين ونداءات الجهاد والصراخ بأسماء الرسل والرموز الدينية، لن يكون لها أي تأثير على نظامهم المدني العلماني غداً؟
خامساً، كيف سينزعون من ذاكرة قسم من أهل سوريا تاريخ «الخازوق»، والاضطهاد والإقصاء والتهميش والذمية… فيما صارت مجلة «لو فيغارو» الصادرة بين حنايا ثورتهم، تترجم شعارات ثوارهم حول مصير «العلوي والمسيحي والمرأة»، بين التابوت وبيروت و«التخوت»…هذا إذا لم يتبدل توزيع المصائر لاحقاً!
سادساً وأخيراً، هل سيدعون برنار هنري ليفي أم إيلي فيزل لزيارة قبر صلاح الدين احتفالاً بالثورة إذا انتصرت، تماماً كما فعل الجنرال غورو يوم دخل دمشق في 21 حزيران 1920، إذ توجه الى القبر ووقف أمامه قائلاً لرميمه: «ها قد عدنا يا صلاح الدين». أو كما فعل زميله الجنرال اللنبي، يوم دخل القدس في 9 كانون الأول عام 1917، موجهاً عبر الأثير المقدسي رسالته المماثلة إلى القبر نفسه: «الآن انتهت الحروب الصليبية».
أعطوا إجابات عن هذه الإشكاليات، أو عن واحدة منها فقط، بما يضمن تعايش الواقع السوري مع هذا العصر، ومع ناسه وشعبه، ولكم كل الحكم والدعم، من سوريا ولبنان وأكثر. فبإشكالية واحدة من تلك، لا تضمنون الحل لأزمة سوريا وحدها، ولا لأزمة الدوامة التاريخية بين دمشق وبيروت وحسب، بل الأهم أنكم تقدمون الحل لأزمات بالعشرات، في العراق الدامي، والبحرين الحمراوين، والحجاز ونجد وتوابعهما من أملاك عائلية، ولما بين محيط وخليج ولما بعدهما، من جبهة «مورو» الفيليبين إلى بلقان البوسنة وكوسوفو، ومن بنغلادش وجارتيها إلى كل القوقاز وآسيا الوسطى، وصولاً الى إقليم تشينغيانغ الصيني، وانتهاءً بحيث تقيمون، في قلب أوروبا وعلى أعتاب «أسوار فيينا».
حلوا واحدة من هذه، أما كل الباقي فتفصيل.  

السابق
الاخبار: داتا الاتصالات: مشروع مشكل في مجلس الوزراء اليوم
التالي
خلاف الجنرالين