14 آذار 2012: موسم الوثائق

في تجمّع 14 آذار زحمة وثائق. منها ما يطرح إطاراً للتنسيق الداخلي، ومنها ما يقترح خريطة طريق، ومنها ما يسعى إلى تجديد عناوين و«نفضها». أهم هذه الوثائق ما يناقَش في أوساط تيار المستقبل، على أعلى المستويات، وروحيّته تصب باتجاه «الحوار الإيجابي»، رغم ذكرى «يوم الدم»

تغوص قوى 14 آذار وشخصياتها في بيروقراطية صياغة الوثائق. بعد تجارب السنوات السبع الماضية، وجد المعارضون الحاليون أنّ أفضل أساليب العمل السياسي يكمن في توثيق الأفكار وجمعها ووضعها على الورق. تغرق جهود شخصية وجماعية في محاولة تعويم 14 آذار، وقول الآتي: ها نحن هنا نعمل بنشاط، لسنا مكتوفي الأيدي ونقوم بواجبنا. والواجب، هنا، هو صياغة الوثائق التي وصل عدد المعمول عليه منها حالياً إلى ثلاث.
فهذا النقاش «الوثائقي»، بحسب أحد المشاركين فيه، يهدف إلى «إقناع أنفسنا وجمهورنا وقياداتنا بأننا لا نزال موجودين على الساحة». ما هو المطروح في ساحة 14 آذار؟
منذ بداية كانون الثاني 2012، بدأ موسم صياغة الوثائق السياسية الذي سيستمر في شباط المقبل. ويمكن تسجيل ثلاث حالات مستقلّة تسير بموازاة بعضها البعض:
الأولى، وثيقة يعدّها نواب من كتلة المستقبل، أبرز المشاركين فيها النائبان جان أوغاسبيان وأحمد فتفت. وبحسب نواب من المستقبل، يبحث المعنيون بهذه الوثيقة في تنظيم العمل داخل الكتلة، وهي «وثيقة داخلية خاصة بالنواب»، والمطلوب منها طرح العناوين اللازمة لتفعيل عمل الكتلة وأدائها داخل مجلس النواب. ويقول المطلعون عليها إن من المفترض إطلاع الرئيس سعد الحريري عليها في غضون أيام، بعد نيلها موافقة رئيس الكتلة فؤاد السنيورة. 
الوثيقة الثانية، تعمل على صياغتها مجموعة من شخصيات الأمانة العامة لقوى 14 آذار، أبرزها النائب السابق سمير فرنجية والصحافي محمد شمس الدين. واللافت غياب منسق الأمانة العامة، النائب السابق فارس سعيد، بشكل أو بآخر. فالأخير شارك في إحدى جلسات النقاش، إلا أنّ مطلعين يشيرون إلى أنه لا يدعم هذا المشروع ولا يبدي حماسة له لكونه، بحسب المطلعين، «لا يوافق على مجموعة من العناوين التي تتضمّنها الوثيقة». فمن الواضح أنّ فرنجية يحاول استعادة يساريّته، إذ يناقش من يجدهم معنيين بمجموعة من الملفات التي تميّز هذه المجموعة عن سائر المجموعات والأحزاب والتيارات داخل 14 آذار. نقاش حاسم بتضمين هذه الوثيقة عنوان العدالة الاجتماعية، وفيها دعوة واضحة إلى محاربة التوريث السياسي وإدانة النظام الطائفي والتحاصصي والقضاء عليه.

ينوي سمير فرنجية والقيّمون على هذا المشروع وضع إطار في 14 آذار. فهذه المجموعة باتت تدرك، بحسب أحد المشاركين في النقاش، أنه في هذه المرحلة أبعد ما هو مطلوب «انقسام عمودي بين مؤيّد للنظام في سوريا وخصم له، بين من يدعم سلاح حزب الله ومن يرى فيه تهديداً وخطراً. بين من يقف إلى جانب الغرب ومن ينظر إليه بصفته إمبريالية واستكباراً». يبحث هؤلاء عن منفذ ثالث، إلى جانب 14 آذار وبعيد عن 8 آذار، وفيه الكثير من التقاطعات والتنوّع.
أما الوثيقة الثالثة والأهم، فهي وثيقة تيار المستقبل، بهيكليّته التنظيمية ونوابه وشخص الرئيس الحريري. يعمل على إعداد هذه الوثيقة سبعة أشخاص، هم: ثلاثة من المكتب السياسي، رضوان السيد، محمد السماك وحسن منيمنة. اثنان من الكتلة، فؤاد السنيورة ونهاد المشنوق، واثنان آخران يمثلان الرئيس الحريري، وهما: مدير مكتبه نادر الحريري ومستشاره محمد شطح.

هذه الوثيقة، التي من المقرّر أن تدخل حيّز التنفيذ في ذكرى 14 شباط، تحمل الكثير من العناوين الرئيسية، إلا أنّ رسالتها، بحسب أحد المعنيين، تقول الآتي: في يوم استشهاد الرئيس رفيق الحريري، في يوم الدم، يقدّم تيار المستقبل مبادرة سياسية للحوار بعيداً عن لغة الثأر والدم. أي أنّ التيار، بكل مكوّناته، يحاول التصرّف بإيجابية حيال الأزمات الداخلية والإقليمية، ويمدّ اليد للحوار مع من أخرجه من السلطة، ويبقى تحديد الضوابط اللازمة لإقامة هذا الحوار.
وأبزر خلاصات الوثيقة: في تاريخ لبنان الحديث، كل الطوائف جرّبت السلاح والنتيجة كانت واحدة، اضطراب فحرب فعودة إلى الحوار والتسويات الداخلية. أما العناوين الأساسية التي تحملها فهي: المسألة الوطنية، العلاقات الإسلامية ـــــ المسيحية، العلاقات الإسلامية ـــــ الإسلامية، القضية الفلسطينية، الربيع العربي، طلائع النظام، الوضع السوري والنظرة إلى الإسلاميين.
طرحت خمس مسودّات حتى اليوم. ويقول المعنيون إنّ ثمة وقتاً كافياً للوصول إلى «المبيضّة» الأولى، مع العلم بأنه ليس مطروحاً أن يتلو أحد هذه الوثيقة في مهرجان 14 شباط، لكونها كرّاساً سياسياً. وبالتالي، ليس بإمكان أحد أن يقدّمها، «بل من الممكن عرض أبرز خلاصاتها، ونقل روحيّتها إلى المهرجان».

أما في ما يخص ذكرى 14 آذار، فإنّ الرئيس الحريري تلقى يوم الجمعة الماضي تقريراً طبياً يشير إلى أنّ علاجه الفيزيائي سيمتد إلى 20 يوماً، بحسب مصادر مقربة منه، أي أنه لن يقدر على الحركة قبل هذه المدة، أي قبل 16 أو 17 شباط. وبالتالي لن يتمكن من «الوقوف على البوديوم كالأعوام السابقة»، الأمر الذي يترك علامات استفهام كثيرة حول دوره في مهرجان شباط 2012. بات النقاش في هذا الحدث يتناول كلاسيكيات التنظيم. فمن المتوقع أن يبدأ الصراع بين الشخصيات المستقلة على هوية من سيتحدث في هذه الذكرى، وخصوصاً على صعيد الطامحين الدائمين إلى رئاسة الجمهورية.
وقبل أسابيع من استحقاقي 14 شباط وآذار، يتذكّر المعنيون أنّ ثمة ما يجب القيام به. يبحثون عن شيء جديد يشدّ الأنظار، محاولين ابتكار الشعارات والأساليب. مثلاً، إذا كانت الحركة التي قام بها الرئيس الحريري العام الماضي، خلال الذكرى السادسة لثورة الأرز، التي نزع فيها سترته ورماها للجمهور، هي فكرة «مسروقة» من فريق الرئيس الأميركي باراك أوباما؛ فهذا العام بإمكان مستشارة الرئيس الحريري لشؤون تنظيم الإطلالات التلفزيونية والإلكترونية والشعبية، أسما أندراوس، العمل على قرصنة أفكار نفّذها الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، عندما كسر رجله خلال ولاية حكمه. 

السابق
تهديد عاملين سوريين بعد احراق منزلهما في عين ابل
التالي
سرقة صندوق النذورات في كنيسة سيدة المعونات – بكفيا