محاولة اغتيال الحسن تصيب داتا الاتصالات!

فتحت المعطيات المسربة، عن سابق تصور وتصميم، حول اكتشاف وإحباط خطة لاغتيال رئيس فرع المعلومات العميد وسام الحسن، الباب واسعاً أمام سجال أمني – سياسي – قانوني، تجاوز حدود الحادثة الافتراضية، ليطال بشكل أساسي ملف «داتا الاتصالات»، بعدما تبين ان هناك من أراد له ان يكون أحد ضحايا محاولة الاغتيال، بمعزل عما إذا كانت هذه المحاولة جدية أم وهمية.
واللافت للانتباه في هذا السياق، أن الإعلان عن إجهاض خطة الاغتيال أُتبع سريعاً بحملة شنتها بعض قوى 14آذارعلى وزير الاتصالات نقولا صحناوي، متهمة إياه بأنه يساهم في كشف أمن البلد وبعض الشخصيات بسبب رفضه تزويد الأجهزة الأمنية بـ«داتا الاتصالات»، في أي وقت ومن دون قيد او شرط، ما أثار تساؤلات عما إذا كان تسريب خبر محاولة استهداف الحسن يهدف بالدرجة الاولى الى زيادة جرعات الضغط على صحناوي أولاً ووزير الداخلية مروان شربل ثانياً، وربما رئيس الحكومة أيضاً، من أجل استعادة حرية الحصول على كامل الـ«داتا» والتصرف بها، تحت طائلة تحميل من يقيد هذه الحرية المسؤولية المباشرة عن استهداف أي شخصية وتعريض حياتها للخطر.

ولئن كانت خطة استهداف الحسن قد اصبحت قيد التداول، بعد التسريب المقصود لها، فإن مراجع واسعة الإطلاع أبلغتنا ان هناك معلومات موثوقة وصلت الى الجهات المختصة منذ فترة حول رصد خطر أمني جدي يطال رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، ما دفعهما الى التشدد في الإجراءات الأمنية مؤخراً.
ووفق المعلومات، فإن حركة الرجلين والطرق التي يسلكانها عادة كانت خلال الأسابيع الأخيرة موضع مراقبة في إطار التحضير لمحاولة استهدافهما. وعُلم ان مؤشرات جديدة تتعلق بالتخطيط لاستهداف جنبلاط قد سجلت خلال الأسبوعين الماضيين، وقد جرى إبلاغه بها أثناء وجوده في موسكو.
كما عُلم ان التحذيرات من إمكانية تعرض بعض الشخصيات للاغتيال دفعها الى التمويه في حركتها واستخدام سيارات الأجرة في تنقلاتها.
استهداف الحسن
وبالعودة الى محاولة اغتيال العميد الحسن، وما رافقها من ملابسات، فإن الربط بين خيوط بعض الوقائع يتيح تظهير الصورة بشكل افضل. فخلال الأشهر السابقة، كانت الأجهزة الأمنية ـ وفي طليعتها «فرع المعلومات» ـ تستحوذ من وزارة الاتصالات، وبموافقة اضطرارية من صحناوي، على كل الـ«داتا» المتعلقة بحركة الاتصالات بين المواطنين على كامل الاراضي اللبنانية، بحجة أن الإطلاع عليها ضروري لتأمين متطلبات حفظ الأمن وملاحقة المطلوبين او المشبوهين.  لكن، وقبل حوالى أسبوعين، تم التوافق في لجنة الاتصالات والاعلام النيابية ـ وبحضور صحناوي وشربل ـ على تنظيم و«ترشيد» عملية الحصول على الـ«داتا»، والحد من انفلاشها، عبر «قوننتها» و«تقنينها»، عن طريق الاحتكام الى الآلية المنصوص عليها في القانون التي تلحظ ضرورة حصر الطلب على الـ«داتا»، في المكان والزمان، تبعاً لطبيعة الخلل الأمني المراد كشف ملابساته، مع الأخذ بالاعتبار إمكانية تسليم كل «داتا الاتصالات» في حالات الضرورة القصوى، على ان تصب الطلبات المرفقة بالإذن القضائي اللازم في «مركز التحكم» التابع لوزارة الداخلية الذي تم افتتاحه مؤخراً، لصون التخابر وحماية خصوصيات اللبنانيين من الانتهاك المزاجي، علماً أن هذا المركز يترأسه ضابط (سني) في قوى الأمن الداخلي.
وبالفعل، التزم وزير الداخلية أمام نواب اللجنة باعتماد الآلية المشار إليها آنفا في العلاقة مع الأجهزة الأمنية، وهو الأمر الذي استند إليه وزير الاتصالات لاحقاً في عدم الاستجابة للطلبات اليومية التي تتدفق عليه من الأجهزة، ولا سيما «فرع المعلومات»، للحصول على كامل الـ«داتا» المتعلقة بخريطة الاتصالات بين جميع اللبنانيين، الى أن طفت على السطح المعلومات حول وجود مخطط لاستهداف العميد الحسن.

حينها، اتصل الوزير شربل بالوزير صحناوي وأبلغه بوجوب وضع كل الـ«داتا» بتصرف «فرع المعلومات» من أجل تتبع خيوط محاولة الاغتيال، وبالفعل تجاوب صحناوي مع الطلب «موضعياً» يوم الجمعة الماضي، لئلا يتحمل شخصياً تبعات هذه القضية، بانتظار أن يحدد مجلس الوزراء في جلسته يوم الثلاثاء المقبل، وجهة التعاطي مع هذا الملف.
وإذا كانت العادة قد درجت في السابق على ان تطلب بعض الأجهزة الإطلاع على حركة الاتصالات بين اللبنانيين بعد وقوع خلل أمني، وليس قبله، لتسهيل الوصول الى الحقيقة ومعرفة هوية المرتكبين، إلا ان الإضافة الجديدة على هذا الصعيد تمثلت في ان المسعى للاستحواذ على الـ«داتا» بات مرتبطاً بنظرية «الأمن الوقائي» الفضفاضة، كما دلت طريقة التعامل مع الخطة المكتشفة لاستهداف العميد وسام الحسن، إذ ان طلب الحصول على كامل الـ«داتا» انطلق هذه المرة من محاولة اغتيال ما تزال حتى الآن «افتراضية»، ولم تثبت بعد بشكل نهائي وقاطع، بانتظار إتمام التحقيقات كما قال وزير الداخلية نفسه.
والى حين ان يحسم مجلس الوزراء أمره، فإن ما جرى حرّض على طرح العديد من علامات الاستفهام ومنها:
ـ لماذا لا يتم التسليم بمرجعية «مركز التحكم» في التعامل مع كل ما يتصل بـ«داتا الاتصالات»، بعيداً عن أي تفرد أو استنسابية؟
ـ هل يوجد من يرغب في ان يبقى عمل أحد الأجهزة الأمنية ـ من حيث القدرات التقنية وجدول الأعمال ـ بمنأى عن الاجهزة الأخرى التي تتمثل جميعها في مركز التحكم، ويفترض ان تتعاون في ما بينها لرفع مستوى الأداء المهني والحصانة الأمنية؟
ـ وإذا كان هناك من يعترض على الآلية المتوافرة حالياً ضمن القانون، لماذا لا يطرح تطويرها من خلال العمل لتعديل القانون وفق الاصول؟
ـ ثم، كيف يمكن ان يستقيم التسريب المتعمد لخبر تعطيل مخطط اغتيال الحسن، قبل ان تكون كل مراحل التحقيق قد اكتملت وصولا الى كشفت هوية الجهات المحرضة والرؤوس المكلفة بالتنفيذ، إذ ان هذا التسريب يمنح المتورطين فرصة للتواري او لتعديل تكتيكاتهم، فأين المصلحة في ذلك؟
بري: الاحتكام للقانون
من ناحيته، قال الرئيس نبيه بري لـ«السفير» إن المطلوب تطبيق القانون والعودة الى الكتاب في موضوع «داتا الاتصالات»، لافتا الانتباه الى ان النص القانوني ينظم آلية الحصول على الـ«داتا» المطلوبة بعد نيل الإذن القضائي الضروري، بما يمنع استباحة خصوصيات كل اللبنانيين في أي وقت.
وأشار الى ان «مركز التحكم» المستحدث هو المولج بتأمين «داتا» محددة للجهاز الامني الذي يطلب الاستحواذ عليها وفق الاصول، مشدداً على ان هذا المركز الذي يضم ممثلين عن الاجهزة الأمنية مجتمعة يتيح تحقيق التعاون والتنسيق بين تلك الاجهزة على مستوى تأمين الـ«داتا» وتحليلها، بدلا من ان يتفرد هذا الجهاز أو ذاك في العمل وفق أجندات أمنية وسياسية خاصة.
رواية «المعلومات»
ولئن كان وزير الداخلية ينتظر استكمال التحقيقات للجزم بصحة السيناريو المتداول حول محاولة استهداف الحسن، إلا ان مصادر مقربة من «فرع المعلومات» تؤكد ان المعطيات الموجودة بشأنها جدية وموثوقة، بعدما توافرت من ثلاثة اتجاهات مختلفة، وتقاطعت كلها عند التحذير من وجود مخطط لاستهداف الحسن في محيط مركز عمله وسكنه في الأشرفية.
وأشارت المصادر الى ان تحركات الحسن وأوقات تنقله كانت تخضع الى المراقبة الدقيقة، لافتة الانتباه الى انه تبين ان التحضيرات لخطة الاغتيال بلغت مرحلة متقدمة جداً، ولم تكن تنتظر سوى التنفيذ.
وبرغم تمهل الأوساط المقربة من «فرع المعلومات» في توجيه اتهام صريح الى طرف بعينه، بانتظار جلاء كل الحقائق، غير انها تعتبر ان مخطط الاغتيال يحمل في طياته واحدة من ثلاث رسائل محتملة:
ـ الاولى، سياسية بامتياز وتطال الجهة الحاضنة للعميد وسام الحسن، وتحديداً الرئيس سعد الحريري.
ـ الثانية أمنية، وتستهدف ضرب الحد الأدنى من الاستقرار القائم وإحداث الفوضى في الداخل اللبناني.
ـ والرسالة الثالثة تنطوي على تصفية حسابات متراكمة مع الحسن، وتتعلق بالعديد من الملفات القديمة والجديدة التي له صلة بها.
القراءة المضادة
في المقابل، تميل أوساط سياسية في فريق 8 آذار الى تجنب الانجراف وراء رواية فرع المعلومات لمحاولة الاغتيال، معربة عن اعتقادها بأن تضخيمها المتعمد لا ينفصل عن معركة «داتا الاتصالات»، وما يرافقها من ضغوط قديمة ـ جديدة تمارس على كل وزير من تكتل التغيير والاصلاح يتولى وزارة الاتصالات، وذلك من أجل دفعه الى الخضوع لطلبات فرع المعلومات بالحصول على كل أنواع الـ«داتا» من دون نقاش.
وتعتبر هذه الأوساط ان ما تردد عن خطة لاغتيال الحسن يحتاج الى المزيد من التدقيق قبل الجزم به، مشيرة الى ان التسريب الحاصل ربما لا يكون بعيدا عن عملية تهويل تهدف الى إحراج الوزير نقولا صحناوي وإلزامه بفتح أبواب الـ«داتا» على مصراعيها امام «فرع المعلومات»، بعد الممانعة التي أبداها حيال بعض الطلبات، تحت طائلة تحميله مسؤولية أي خلل أمني.
وترى الاوساط ان رواية «فرع المعلومات» حول مخطط الاغتيال تضعه أمام احتمالين: الأول، ان يثبت ان المخطط جدي من خلال الإعلان عن نتائج التحقيق الجاري، وتحديد الجهة التي تقف وراء محاولة الاستهداف، وعندها سيتبين ان «الفرع» كان محقا في المطالبة بالحصول على كل «داتا الاتصالات» لأنها ساعدته في الوصول الى الحقيقة.
والاحتمال الثاني، وفق الاوساط ذاتها، هو ان تبقى الرواية إعلامية ونظرية من دون أدلة وقرائن تؤكد صحتها، وحينها إما ان تكون القصة من اساسها مفتعلة او ربما مضخمة، وإما ان تكون واقعية فعلا إنما من غير ان تستطيع «داتا الاتصالات» لوحدها المساعدة في الوصول الى آخر الخيط الممسوك، مع ما يعنيه ذلك من إضعاف لمنطق الأجهزة التي تحاول التصوير بأن الحصول على كامل الـ«داتا» وبالتالي المساس بخصوصيات اللبنانيين هو ممر إلزامي للحفاظ على أمن البلد وشخصياته. 

السابق
المراقب العام للاخوان المسلمين في سورية: لا نثق بحزب الله
التالي
نقولا نحاس: لا عائق في تنفيذ خطة الكهرباء