للوصاية السابقة أهل ولغة

كثرت الاتصالات بي في اليومين الاخيرين تحرضني على اتخاذ موقف لتأكيد الرفض المبدئي لكلام صدر عن احد السياسيين. لكني قررت ألاّ أرد على احد، وألاّ انزل الى متاهات الاخذ والرد، وقد آليت على نفسي ان ابتعد ما امكنني عن هذا التدني في الخطاب السياسي اللبناني والذي ازداد سوءا وانحطاطا بتأثير الوصاية السورية على لبنان، التي اصابها اليوم اسوأ مما كان يصيبنا من جرائها. علما ان بعضهم كان يرفض لغة الوصاية فاذا به يتبناها لاحقا، بل يزيد عليها ويزايد فيها.
في لبنان اليوم كلام انتخابي يؤكد بما لا يقبل الشك ان معظم السياسيين غارقون في حساباتهم الصغيرة والضيقة والمرتبط اكثرها بالحسابات العائلية والمصلحية في آن واحد، متخلين عن كل الشعارات التي رفعوها ويرفعونها ويرددونها كل يوم امام مناصرين مستسلمين يصفقون لكل ما يقال لهم من دون عمق تفكير في ما آلت اليه تلك الشعارات الرنانة من فشل ذريع يتأكد يوما بعد يوم، ويتعمق.

سياسيونا غير واعين وغير مدركين خطورة ما يجري من حولنا من تغييرات مصيرية قد تبدل وجه المنطقة بأكملها. سقوط انظمة وانتظار تبلور انظمة بديلة، في ظل هجمة الاسلاميين التي لا تصيب المسيحيين فحسب، بل تقضي على الاسلام المنفتح والقابل للآخر بتنوعه الاتني والديني والعرقي والثقافي. الاسلام المتشدد سيؤثر في نمط او انماط حياة المسلمين ايضا، في رحلاتهم وسهراتهم وحياتهم الاجتماعية. الاسلام المتشدد سيلغي التنوع في مصر وتونس والعراق وفي بلدان اخرى. لكنه سيكون مركز الهجوم والتنديد بعد وصوله الى الحائط المسدود، اذ لم يسبق لأي نظام ديني ان نجح في تحقيق الرفاهية والرخاء لمواطنيه، ولم يسبق لأي نظام مماثل أن نجح في بلوغ النجاح الاقتصادي كما يدعي مناصروه، من انهم يملكون الحل السحري لكل المشكلات.

بعيداً من الاسلاميين، مسيحيون يزدادون تشدداً في مقابل التشدد، لكنهم لا يملكون رؤية للمستقبل، ويفضلون الاحتماء بالانظمة الديكتاتورية التي تؤمن لهم استقراراً لا حياة. وبين هؤلاء واولئك، علمانيون فشلت مشاريعهم، اذ ارتبط أكثرها بالاتحاد السوفياتي السابق، ولم تملك الدعم الكافي لبلورة مشاريع ديموقراطية حقيقية.

في ظل هذا الضياع وعدم الوضوح في الرؤية، يتخبط سياسيونا في مواقف طريفة، تارة هجوما ورهانا على قرب سقوط النظام السوري، كأن لبنان يصلح وتسوى اوضاع مؤسساته فقط اذا انهار الرئيس السوري وهرب مع صحبه، وطورا دفاعا عن النظام السوري الذي يحفظ رؤوس البعض وقد جعلهم نوابا ووزراء وما كانوا يحلمون ببلوغ الكراسي يوما، وأقام للبعض الآخر تحالفات لم تكن ممكنة، حتى بلغ الامر باحدهم ان يفقد اعصابه كلما اكتشف ان رهانه على السوري يتدحرج وان مواعيده التي ضربها
ذهبت هباء.  

السابق
الاخبار: أزمة الداتا والعرض الإيراني عـلى طاولة مجلس الوزراء غداً
التالي
المعبر السوري