عون ومسؤولية حزب الله!

من فضيحة المازوت المدعوم، إلى حملة عون الهوجاء على الحلفاء والأعداء، إلى عودة الحديث عن السيّارات المتفجرة في استهداف مسؤولين أمنيين، إلى تظاهرات الكهرباء شبه اليومية التي عمّت مختلف المناطق… وغيرها كثير مما يجري على الحدود الشمالية والشرقية، كلها مؤشرات توحي وكأن البلد وُضع على صفيح ساخن… بانتظار التوقيت المناسب للانقضاض على أمنه واستقراره، وإلحاقه بما يجري حوله، خاصة داخل الشقيقة سوريا!.
لم تعد الحكومة هي الهدف الوحيد لهجمات عون وبعض حلفائه الذين يركزون حملاتهم على كل ما له علاقة بمقومات الدولة، وهيبة رموزها الشرعية، وكأن المقصود إشاعة أجواء من الفوضى تساعد على تعطيل مسيرة الإنتاج، المتعثر أصلاً، وتهزّ حبل الأمن المُرتبك بهشاشته المعروفة.

لقد سئمت الأكثرية الساحقة من اللبنانيين من إطلالات عون الإعلامية، وملّت من خطابه السياسي الذي يُسجّل انحداراً وراء انحدار، منذ وقفاته في ساحات قصر بعبدا أواخر الثمانينات حتى وصوله إلى حديقة الرابية هذه الأيام.
وليس مستغرباً أن تصبح مؤتمرات عون الإعلامية نذير شؤم عند اللبنانيين، الذين أصبحوا يتوجسون شراً، كلما سمعوا ردح رئيس التيار العوني لرئيس الجمهورية، أو كلما كال من الشتائم والإهانات على طريقته المعهودة، لرئيسي المجلس النيابي والحكومة وغيرهما من القيادات السياسية، بأسلوب «النيران الصديقة» على نحو ما حصل قبل بضعة أيام!!.
وخطورة كلام عون الأخير لا تكمن فقط في إهانته مقام الرئاسة الأولى، وهو الذي يدّعي الحرص على تعزيز موقع رئاسة الجمهورية، بل في تهديده بالنزول إلى الشارع والاعتصامات في الساحات ضد أداء الحكومة التي تشارك كتلته فيها بحصة الثلث تقريباً!!.

لا ندري كيف يفكر رئيس التيار العوني في استنساخ تجربة حليفه «حزب الله» في احتلال ساحات وسط العاصمة، والاستفادة من المكاسب السياسية التي حققها بعد 8 أيار، في حين أن الظروف اختلفت، والمعادلة السياسية تغيّرت، وحزب الله الذي كان خارج حكومة السنيورة، أصبح يدير اللعبة السياسية اليوم، بعد انقلابه على حكومة الحريري، وتنصله من التزامات اتفاق الدوحة، وتشكيل الحكومة الحالية بعيداً عن قواعد التوافق الوطني التي نص عليها اتفاق الطائف.
أما الكلام البذيء عن «الشهداء الأحياء» ونعتهم بـ «اللصوص الأحياء» تارة، أو النيل من كرامة الشهداء الأبرار، والقول بأن بعضهم قد يكون قُتل من أحدهم بسبب غيرته على زوجته… فهذا الكلام يهين صاحبه أولاً وأخيراً، ويكشف مدى التردي الذي وصل إليه تفكير هذا الرجل الذي يعيش في وهم أنه «الآدمي الوحيد في الجمهورية… والآخرون كلهم لصوص وفاسدون»، على طريقة أخوت الضيعة الذي يعتبر نفسه العاقل الوحيد وكل أهل الضيعة مجموعات من المجانين!!.
 لقد غاب عن بال ميشال عون أنه لن يستطيع هذه المرة أن يغطّي «السموات بالقبوات»، ويحجب بدخان تصريحاته الإنكشارية روائح الصفقات والفساد المنبعثة من تهريب المازوت المدعوم، والتغطية على محاولات الهيمنة على التزامات خطة الكهرباء، وتبرير فشل وزيره في إدارة ملف الأجور، فضلاً عن الإرباك الذي تعانيه شبكات الاتصالات الخلوية في عهد وزيره الثالث في وزارة الاتصالات!.
فمنذ أن تسلّم وزراء التيار العوني الاتصالات، والناس تعاني من تردي خدمات الخلوي، فضلاً عن غياب عمليات الصيانة والتحديث لمراكز التخابر الأرضية المنتشرة في طول البلاد وعرضها.
ويبدو أن التحقيقات التي يقوم بها ديوان المحاسبة ستكشف ملابسات «ليلةالمازوت السوداء»، بما سيضع مجلس النواب أمام مسؤولياته الدستورية والتشريعية في المراقبة والمساءلة، وبالتالي محاسبة الوزير المسؤول عن تسريب ملايين الليترات من المازوت المدعوم، إلى مستودعات الشركات المحظية، وحرمان الخزينة من عائدات تصل إلى 18 مليار ليرة لبنانية!!.

أمّا الحديث عن كشف مخطط يستهدف شخصيتين أمنيتين بارزتين عبر تفجير سيّارة مفخخة، فيتجاوز شخصي اللواء أشرف ريفي والعميد وسام الحسن، إلى ضرب حالة الأمن والاستقرار، والإيحاء بأن لبنان عاد إلى مرحلة الاغتيالات والسيارات المتفجرة، وبالتالي خلق المناخ المناسب لإطلاق أجواء الفوضى غير الخلّاقة، وتعطيل مسيرة الدولة، والحؤول دون أن تتخذ الحكومة اللبنانية أي قرار حاسم في الاستحقاقات الداهمة، وفي مقدمتها تجديد بروتوكول التعاون مع المحكمة الدولية، وعدم الانضمام إلى مواقف الدول العربية المنادية باعتماد الحل السياسي للأزمة السورية، وقبل كل ذلك، العمل على تحويل البلد، مرّة أخرى، إلى ساحة لتصفية حسابات الأطراف الإقليمية والدولية على حساب استقراره ولقمة عيش أبنائه، خاصة مع اقتراب موعد المواجهة الدبلوماسية الحاسمة بين المجتمع الدولي وإيران، على خلفية الملف النووي، والتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية.
وغني عن القول إن المضي قدماً في تخريب الوضع الحالي، على هشاشته الأمنية، سيعتبر ليس مجرّد مغامرة غير محمودة العواقب وحسب، بقدر ما ستكون جريمة بحق النّاس والبلد الذي لن يجد هذه المرة، من الأشقاء والأصدقاء، من سيساعده للنهوض من كبوته المتوقعة، لا سمح الله، في حال انزلق من جديد إلى الفوضى، بحجة الدفاع عن شعارات خاوية، ولم تعد تنفع لكسب عاطفة الجماهير في زمن الربيع العربي.

لسنا من هواة التشكيك والترويع..
ولكن لا بدّ من التحذير من خطورة ما يحاك للبلد وأهله في حال استسلمت الدولة لفجور البعض السياسي، ولتهديد وترهيب البعض الآخر الأمني.
التصدّي لمخطط الفوضى مسؤولية الجميع في الحكم والمعارضة، نعم… مسؤولية المعارضة المنادية بإعادة بناء الدولة وحمايتها.
وإحباط جموح عون للسلطة والهيمنة على مقدرات الدولة تبقى مسؤولية حليفه الأوّل والوحيد «حزب الله»… حيث يتسلّح الجنرال عون بنفوذ الحزب في خوض معاركه «الدونكيشوتية» التي غالباً لا توفّر صديقاً… ولا حليفاً!.
 

السابق
استنكار إحراق مكتب مختار الشرقية
التالي
أزرار قميص بتقنية الـ WIFI