عونيات

ليست الظواهر الغير مألوفة غريبةً على المجتمع اللبناني أبداً، ففي كل حقبة زمنية تظهر عجيبةً جديدة تجعل من لبنان محط انظار محيطه، لكن ظاهرة اليوم لم تنل القسط الكافي من الاهتمام الدولي لما يغزو المنطقة من أحداث وانقلابات وثورات، هي ظاهرة أقل ما توصف بالقذافية الفكرية المستمدة من جنون العظمة، الظاهرة العونية، ومنها تتفرع المواضيع في عونيات متسلسلة، لم أقصد من عنوان المدونة العونيات أبداً، بل قصدت التصرفات العونية التي قفزت فوق ثوابت التيار مما أدى إلى تقلص شعبيته كما يعترف هو، تقلصت لصالح عدم الاقتراع، والابتعاد عن السياسة، كي لا يفهم ما أقول كدعم لمسيحيي 14 اذار، لأنهم أسوأ.

إذاً، فالعونيات ليست عجيبة إذا ما تم قياسها بالحريرية السياسية أو النهج الرائد في حركة أمل، بل هي حلقة في مسلسل الفساد اللبناني، ما يميزها، أنها حلقة فاسدة علناً وتختبئ خلف اصبعها، فلا ترى من خلف الاصبع، وتظن أنه لا يراها، كمثل نعامة تخبئ رأسها في التراب، ويحكى أن رمز العونيات عاش سنوات عديدة في المنفى ليكرس بطل، مع أنه خرج من قصره هرباً إلى باريس، ليعمل من هناك على قانون لمحاسبة سورية ثم المقاومة، عاد إلى لبنان كتسونامي، لكن، سرعان ما بدأت العونيات بغزو عقول اللبنانيين، فهو من إتهم سورية بقتل الحريري في مقابلة مع قناة فرنسية، هبطت الطائرة في مطار بيروت، وغاب الاتهام، لم تعد سورية، أتت الانتخابات، وهو يحق له ما لا يحق لغيره، تحالف مع حلفاء سورية وبررها باغراض إنتخابية، ترك لقاء البريستول لأنه لم يحصل على ما أراد، اكتسح في الانتخابات وأثبت نفسه، لكنه لم يشارك في الحكومة مع أن حلفائه كانو فيها وأخذ يطالب بالمحاسبة ويعد بسحق الفساد والفاسدين، إلى أن..

هو ذاته من تبنى القرار 1559 وأعلن أبوته لقانون محاسبة سورية في الكونغرس، خرج بتحالف مع حزب الله دونما سابق إنذار صعق به قاعدته، لكن سرعان ما ادرجه تحت خانة التلاقي بين أفراد المجتمع، و هذه خطوة ملفتة إذا ما أتت من حزب طالما سمى عون بامتداد المشروع الصهيوني، وبتيار لطالما وصف الحزب بالارهابي، باي حال، توافق الاثنان على ورقة تفاهم يقايض فيها الجنرال غطائه لحزب الله مقابل رئاسة الجمهورية وحصص وزارية وازنة وبالفعل كان له ما أراد، حتى لو على حساب الحليف نبيه بري، عدو الجنرال اللدود.

كما أن من حكايا العونيات، حكاية وزير رفضه الناس في الانتخابات وفرضه الجنرال في الحكومات، وزير ارهق شبكة الاتصالات باكثر من مليون مستخدم دونما تحديثها قبل أن يقتحم وزارة الطاقة، وكالعادة ببروباغندا إعلامية جارفة، فقال الناس أتى المخلص على فرسه لينتشلنا من الظلمة إلى النور، فما كان منه إلا أن عرض الخطط، نال التمويل وبدء المشروع، فزاد التقنين حتى لامس الإنقطاع الدائم، زاد العجز، لم تطور ولم تتحسن الكهرباء، بل ساءت أكثر، لكن الوزير، وعلى طريقة عمه الجنرال ومن قبلهم القذافي، دعا الناس للتظاهر ضده وهو سيتظاهر معهم، دعا الوزير الناس للتظاهر ضد الوزير على أن يتظاهر الوزير ضغطاً على الوزير كي يسرع الوزير في تنفيذ خطته، معادلة صعبة؟ لا تخافوا، سيفهمها رواد العونيات.

 لم يكتفي الوزير بما أنجز، بل قرر أن يساعد الناس نفطياً أيضاً! أقر المساعدة على المحروقات فاختفت من الأسواق كالعادة، لتعود وتظهر في اليوم الأخير، أو الليلة الأخيرة وتباع في صفقة سوداء تتعدى ال-15 مليون دولار، ليجنى منها لاحقاً 150 مليار ليرة فرق سعر المبيع، هنا نرى كيف أفاد الوزير باسيليوس الناس -من اتباعه- وأغدق عليهم بالمال الوفير، طبعاً هكذا فضيحة تحتاج إلى غطاء، فكان المؤتمر الصحافي لعون فاتحاً النار على الجميع، إما أن تعطوني وتصمتوا كي نسرق سوياً، وإما أفضح الجميع ومن بعد باسيلي ما يسرق وزراء…

ومن حكايا العونيات أيضاً، حكايات خيانة لدماء الشهداء، مصافحة الجنرال لجنرالات صهاينة أو محاربة الكون لاجل عميل كفايز كرم إلى أن حكم باقل ما يمكن من العقوبات، دفاع عوني مستميت عن رفيق الدرب، مع العلم، أن أحد رفاق الدرب كان عون قد تخلى عنه، وهو العميد أبو جمرة، رفيق الحرب والمنفى والأيام الصعاب، تخلى عنه عون ودافع عن كرم، هل يملك كرم ما يدين عون؟ أو هل أن حالة الدفاع عن كرم هي ذاتها حالة الدفاع عن العملاء الفارين إلى فلسطين المحتلة، والذين يرفض عون حتى تسميتهم بالعملاء، ضاغطاً على حليفه كي يصمت ويسكت، وإلا ستسقط الحكومة، يساوم الجنرال بقوة ويمارس الإبتزاز وهو لطالما أحسن لعب دور الصياد للفرص، خاصة في الوقت بدل الضائع ومن ينسى إتفاق الدوحة..

مع أن الحكاية تطول، من فساد إلى محسوبيات إلى تلفاز يمتلكه والعائلة، عدا عن النائب المتني الذي يحمي أخاه البلطجي وفي كل فرصة لا يتوانى الأخوان عن إطلاق النار على خصمهم، دون حساب, عدا عن شركة الاعلانات التي جنى منها الصهر والابنة ملايين الدولارات، وصولاً إلى صفقات مشبوهة مع تجار المحروقات واستدراج عروض لبواخر عبر رجال أعمال محسوبون على التيار، إكمالاً بالتسويات الانمائية التي يحصلها عبر تنازلات متبادلة بينه وبين ميقاتي، حتى لو على حساب زميلهم النحاس، نرى وجه التغيير والاصلاح، تغير الواقع إلى أسوأ وإصلاح وضع أل عون المادي، مشاريع صرف صحي بترونية وعلب هاتف بالالأف واللائحة تطول، نعم انها عونيات، لا تيار، لأن عون جعل من تياره ملكاً خاصاً بينما تتجه باقي الأحزاب إلى المأسسة، لا يلام أنصار التيار على أي من فساد قيادتهم، بل يلامون على السكوت عنها. 

السابق
ذكر الفئران يغني
التالي
جنبلاط:الهذا الحد وصلت الأحقاد والمشاعر الدفينة والمكبوتة