سورية بين الاستنزاف.. والحسم!

انتهت مهمة المراقبين العرب في سورية من "طرف واحد"، بعدما اتجهت الجامعة العربية الى تعليق عملهم بحجج لم تعد الأهداف التي تقف خلفها خافية على أحد. فالموظف التنفيذي الأول في الجامعة (أمينها العام) استجاب لطلب الموظفين الدوليين عرباً وأجانب، بإصدار قرار يوقف بموجبه عمل بعثة المراقبة العربية، والسبب المباشر لذلك، هو التقرير الذي رفعه رئيس البعثة الفريق مصطفى الدابي، ولم يرق الى طموح "المهندس" رئيس الحكومة القطرية، أو الجانب السعودي، متحدِّين أو منفصلين.
معلوم أن "المهندس" الذي فشلت خطته في سورية، تأبط "الموظف" حاملاً معه الملف السوري في رحلة الى نيويورك لبحثه مع أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون الذي "لم يعد بمقدوره الكلام مع الرئيس السوري بشار الأسد" بحسب تعبيره، ذلك أن هذه الخطوة العربية باتجاه محاولة "التدويل"، ستدخل حكماً الأوضاع الى مرحلة الحسم النهائي إن على أرض الواقع في سورية، أو على صعيد الحلفاء في المنطقة الذين لن يسلموا من شظايا التدخُّل الدولي، هذا إذا لم يكونوا هم الهدف الحقيقي من خلف الحملة الدولية المرتقبة على سورية ورئيسها وحكومتها، ومجموعة العمل المرافقة.
 تترقب أوساط سياسية رفيعة أن يصار الى إصدار الأوامر للمراقبين بالانسحاب بعدما، بادرت المغرب الى ذلك مباشرة بعد تعليق عمل البعثة، حيث غادر فريقها دمشق ليل السبت الماضي، لتنهي الجامعة بذلك فصل المراقبة العربية، في حين أنه من المتوقع أن تكون جلسة مجلس الأمن التي ستعقد غداً الثلاثاء لبحث الملف السوري "حامية" على مستوى المناقشات الى درجة حدوث أولى "الشروخ" الدولية بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي من جهة ثانية، حول مجمل ملفَّات منطقة الشرق الأوسط، انطلاقاً من تباين المواقف حيال معالجة الأزمة السورية. فالموقف الروسي "الحار" بحسب تعبير وزير الخارجية وليد المعلم لا يبدو ليناً ولا قابلاً للمناقشة على الأقل في المرحلة الراهنة خاصة وأن صورة المنطقة لم تتضح بعد الاهتزازات التي تعرضت لها حتى على مستوى شمال إفريقيا، ناهيك عن المنتظر من انفجار "بركان" الخليج، الذي بات على صفيح ساخن داخل دوله، وفي الممرات المائية، لا سيما في مضيق هرمز بعد التهديدات الدولية – الإيرانية وما فرض من عقوبات على النفط والبنك المركزي الإيرانيين.

ما هو منتظر من المداولات التي تجريها روسيا في الأمم المتحدة وما يمكن أن يناقشه حمد – العربي هناك، يدرجه البعض في إطار "صفقة" تقضي بالإستجابة لشروط موسكو التي أعلنت عنها، وفي مقدمتها عدم تنحي الرئيس السوري وعدم إيصال الملف الى التدويل، في مقابل تبني روسيا لفكرة تشكيل حكومة (اتحاد وطني) مع المعارضة المتبناة خارجياً على أن تقنع موسكو الرئيس الأسد بذلك، ما يفسح المجال أمام تلك المعارضة بالتقدم خطوة باتجاه الداخل السوري الذي دخل في مرحلة الحسم الأمني والعسكري مع ملاحظة تنامي العمل المسلح للجماعات المسلحة وانتشاره في أكثر من بقعة وفي وقت واحد، بينما لا تزال الحكومة "صابرة" على أخذ زمام المبادرة والتحرك للقضاء عليها حرصاً على عدم نزف المزيد من الدماء. إلا أن طريقة تصرف تلك الجماعات التي تم امدادها اخيراً بالسلاح، وهو ما يتضح من خلال تحركها وطريقة عملها الأخيرة، أجبر الحكومة السورية على اتخاذ القرار وبدء الهجوم المعاكس "لاجتثاث المسلحين من جذورهم" في عملية يبدو انها بدأت فعلاً.

في هذا السياق، اسئلة كثيرة تطرح من اصدقاء سورية وحلفائها في كل مكان حول مدى قدرتها على حسم الأمور مهما بلغت كلفة ذلك، خاصة وأن السباق يبدو على اشده بين عملية الاستنزاف التي يعمل بموجبها اخصامها وبين الوتيرة التي تنتهجها الحكومة في معالجة الأمور على الأرض. كما أن الحديث المضطرد عن دفع البلاد باتجاه الحرب الأهلية يجب أن يساهم في تسريع وتيرة الحسم علماً أنه من غير الممكن حصر تلك الحرب داخل الحدود السورية على غرار ما خاضه لبنان في سبعينات وثمانينات القرن الماضي لاختلاف الظروف، فإذا كانت الجارة سورية ملكت في تلك الحقبة من الزمن قوة الحد من انتقال عدوى المرض اللبناني وهو أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت بالرئيس الراحل حافظ الأسد لاتخاذ قرار التدخل في لبنان، فإن لبنان غير محصن في هذه المرحلة ولا يملك حتى قوة الحد من تأثيرات ما سيحصل في سورية عليه، وكذلك تركيا عدا عن العراق و الاردن. هذه الدول التي ستشكل بوابات سورية الاربع لعبور العنف وانتقاله الى عموم المنطقة.  

السابق
جهة إقليميّة
التالي
استنكار إحراق مكتب مختار الشرقية