إحتمالان وراء محاولة اغتيال الحسن

شكّل الإعلان عن كشف محاولة اغتيال رئيس فرع المعلومات العميد وسام الحسن خرقاً للمشهد السياسي-الأمني، الأمر الذي يُنذر بعودة الاغتيالات التي كانت قد توقّفت بـ«سحر ساحر» بعد اتّفاق الدوحة.

الحديث عن توقّع عودة "مسلسل" الاغتيالات ليس جديدا، إذ إنّ أكثر من شخصية سياسية كانت تبلّغت من أكثر جهة دولية ضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة والإجراءات الكفيلة بإحباط أيّ محاولة اغتيال، في ظلّ تقاطع معلومات عن استهدافات معيّنة ومحدّدة، ولكنّ الجديد في ما تمّ كشفه هو الانتقال من حيّز المعلومات إلى حيّز التنفيذ.

وفي المتداول من معلومات غير موثَّقة أنّ اتّفاق الـ"سين-سين" كان قضى بأن توقف المملكة العربية السعودية تمويلها لقوى 14 آذار، مقابل أن توقف سوريا عمليّات الاغتيال في لبنان، وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه: هل انفراط عقد الاتّفاق السوري-السعودي يعني تجدّد الاغتيالات في بيروت، خصوصاً في ظلّ ما تمّ تسريبه مؤخّراً عن قرار قطري-سعودي بتمويل الثورة السورية بعد تردّد كبير وطويل للرياض في هذا المجال، فضلاً عن الاستياء السعودي من الرئيس بشّار الأسد على خلفية انقلابه على الاتّفاق حول لبنان مع المملكة وتراجعه عن تعهّداته والتزاماته، وأنّ الالتفاتة التي خصّها الملك للرئيس السوري في اصطحابه من دمشق إلى بيروت والضغط على الرئيس سعد الحريري للتطبيع معه لم يخصّها لغيره من ملوك ورؤساء عرب؟

وفي هذا السياق، يرجّح أن يكون وراء محاولة اغتيال الحسن احتمالان في أقلّ تقدير:

الاحتمال الأوّل يتّصل، كما أسلفنا، بدخول السعودية والخليج كرأس حربة في المواجهة بعد إعلان هذه الدول عن سحب مراقبيها من بعثة الجامعة العربية إلى سوريا، هذه البعثة التي عادت وأعلنت عن تجميد عملها عازيةً السبب إلى "تصاعد وتيرة العنف". فالإعلان الخليجي، بهذا المعنى، ليس تفصيلاً، إنّما هو رفع غطاء أوّلاً عن عمل البعثة التي التقطته سريعاً بإعلانها تجميد أعمالها، والدفع ثانياً باتّجاه تدويل الملفّ السوري، خصوصا مع الخطة التي وضعتها الجامعة العربية، والطلب من مجلس الأمن دعمها، الأمر الذي شكّل ويشكّل إحراجاً لروسيا التي لطالما كانت أعلنت تأييدها لجهود الجامعة، وذلك عشيّة جلسة مجلس الأمن التي تُعقَد غداً في ظلّ الكلام عن صيغة توفّق بين مشروع القرار الغربي-العربي وبين المقترحات الروسية، أي أنّ ثمّة تطوّراً في الموقف الروسي واحتمال أن لا تلجأ الأخيرة إلى الفيتو هذه المرّة.

ولذلك، فإنّه حيال هذه التطوّرات المتسارعة والتحوّل الجذري في الموقف الخليجي، تبقى الساحة اللبنانية هي المكان المُتاح والأنسب للردّ السوري على السعودية، خصوصاً أنّ محاولة الاغتيال تزامنت أو تلت إعلانَ وزير الخارجية السوري وليد المعلّم أنّ "الحلّ الأمني مطلب جماهيري"، وتصاعدَ وتيرة العنف بشكل غير مسبوق في الأيّام الأخيرة. فالأزمة السورية دخلت مع المبادرة العربية منعطفا جديدا وكبيرا، الأمر الذي يجعل سياسة النأي بلبنان في مهبّ الرياح الدمشقية، وبالتالي من غير المستبعد أن تكون محاولة الاغتيال الأخيرة جزءاً لا يتجزّأ من خطة مبرمجة ومُعدّة للعودة بالبلاد إلى ما قبل اتّفاق الدوحة في العام 2008 باستهداف شخصيّات أمنية وسياسيّة محسوبة على فريق 14 آذار.

الاحتمال الثاني يتّصل بالمحكمة الدولية والدور المهمّ الذي أدّاه فرع المعلومات على هذا الصعيد عبر تزويده المحكمة بداتا الاتّصالات وتحليلها، والتي ساهمت في موازاة عناصر أخرى في إعادة تركيب عناصر الجريمة ومشهدها، وبالتالي الوصول إلى معلومات دقيقة ومتقدّمة أفسحت في المجال أمام صدور القرار الاتّهامي والاستعداد لبدء المحاكمات. وفي هذا السياق يمكن إدراج هذه المحاولة ضمن الآتي:

أ- استهداف رئيس فرع المعلومات على خلفية انتقاميّة للدور الذي أدّاه في ملفّ المحكمة الدولية.

ب- إستهداف الحسن في اللحظة السياسيّة المتّصلة بالأزمة السوريّة بهدف تضليل التحقيق وتوجيهه، من حيث الظروف المواكبة لعملية الاغتيال، إلى النظام السوري.

ج- إستهداف فرع المعلومات ربطاً بالتحوّلات المرتقبة سوريّاً، وبالتالي ضربه ربطاً بالدور المؤهّل أن يلعبه بعد هذا التحوّل الكبير، وكأنّ ثمّة من يخشى هذا الدور ويعمل على ضرب كلّ العناصر والعوامل التي تشكّل تهديداً جدّيا لقدرته على مواصلة الإمساك بمفاصل السلطة اللبنانية.

لا شكّ أنّ لبنان دخل مع بداية تدويل الأزمة السوريّة مرحلة جديدة محفوفة بالمخاطر الأمنية، ولكن يبقى ملاحظة وتذكير، فالملاحظة أنّ الوفود الدوليّة التي أمّت لبنان مؤخّراً حذّرت من أيّ محاولة لضرب الاستقرار، والتذكير يتّصل بأنّ المرحلة التي بدأت مع محاولة اغتيال النائب مروان حمادة تختلف جذريّاً عن المرحلة الراهنة، وأيّ اغتيال سيكون ثمنه باهظاً جدّاً كونه سيدفع بمساري المحكمة والتدويل قدُماً إلى الأمام.

  

السابق
ما هي صحة المعلومات عن التباين بين أمل وحزب الله بشأن الجنوب وسورية
التالي
تدخل بري وحزب الله على خط الأجور