إدارة الكارثة … أم كارثة الإدارة؟

مع ازالة كامل ركام البناية التي انهارت في الأشرفية "بشرق بيروت" قبل أيام والذي أسفر عن سقوط 40 قتيلاً وجريحاً, تكون قد بدأت رحلة شاقة وطويلة من الشقاء لمواطنين كل ذنبهم ان ظروفهم المعيشية الصعبة التي أوجدتها لهم دولتهم قد فرضت عليهم العيش في بناء آيل للسقوط وسقط وبطرفة عين كصندوق من الكرتون كما هي العادة في لبنان فالفقراء هم من يدفعون الثمن, بينما الدولة لا تشعر بحجم المأساة إلا بعد وقوعها وهي التي سارعت الى صرف مبلغ 30 مليون ليرة لكل عائلة منكوبة, مطوية بذلك صفحة هذه الكارثة اما الضحايا فقد انضموا الى قائمة ضحايا الفساد واللامبالاة وما أكثرهم في لبنان!

لقد اسفرت تلك الكارثة اضافة الى سقوط هؤلاء الضحايا عن كشف فضائح كثيرة, فبعد مرور اكثر من ساعة على وقوع الكارثة, وصلت الرافعات لازالة الركام وبطريقة برهنت على عدم استعداد فرق الانقاذ للتعامل مع مثل هذه الكارثة, وفي منظر لا يليق بسمعة دولة مثل لبنان فقد شاهد الجميع على شاشات التلفاز رجال الانقاذ وهم يحملون المطارق والرفوش ويقومون بالحفر للوصول الى المدفونين تحت الركام من دون اي معدات متطورة كالتي تستعمل في مثل تلك الكوارث, كما ساهم تعاطي افراد الجيش والامن الداخلي بكل قسوة وفوقية مع رجال الاعلام والمواطنين في زيادة فجيعة أهالي الضحايا ما عكس صورة سلبية ونفرت المواطنين منهم, فيما تزاحم المسؤولون على الادلاء بتصاريح ارتجالية ومن دون تقديم اي معلومات تفيد الرأي العام, اللهم الا تصريح وزير الصحة الذي اتى في وقته حين اصدر تعليماته الفورية الى مستشفيات بيروت لاستقبال جميع الجرحى الذين ينقلون اليها من موقع الكارثة وعلى نفقة الوزارة. ولقد ساهمت تلك الكارثة في تعرية بعض تجار العقارات وملاك رخص البناء والمهندسين الذين يستفيدون من تفشي الفساد والرشوة ويزداد نفوذهم يوما بعد يوم لما يتمتعون به من تغطية سياسية او امنية, وما ادل على صحة كلامي الا ما اكدته لجنة الاشغال العامة النيابية باعلانها عن وجود نحو 20 الف بناية في لبنان يمكن ان تواجه المصير نفسه للبناية المنكوبة كما فضحت هذه الكارثة بعض السماسرة الجشعين الذين بدأوا باطلاق اشاعات عن عدم صلاحية بعض البنايات القديمة للسكن, لتخويف قاطنيها وجرهم الى التخلي عن شققهم وبيعها بأسعار زهيدة.

وحتى معرفة كبش المحرقة الذي سترمى عليه المسؤولية كما هي العادة في مثل تلك الحالات, فان المسؤولية مبدئيا قد وزعت على اكثر من طرف, فتنقلت من صاحب المبنى الى مهندس البناء الى البلدية وصولا الى قانون الايجار القديم فيما الحقيقة كما أراها هي ان الكل شريك وان كل الدولة مسؤولة, فالمطلوب هو ايلاء موضوع سلامة الابنية والجسور اهتماما استثنائيا والتطبيق الفوري لقانون السلامة وتحديد دور الوزارات المعنية والدفاع المدني والبلديات ونقابة المهندسين وكل من له علاقة بهذا الامر, اي وبمعنى اخر فتح ملف السلامة العامة في لبنان بعامة, من جهة اخرى اظهرت هذه الكارثة ايضا مدى انكشاف الامن العقاري في لبنان فاي دولة هذه التي تهتز اركانها بسقوط بناية? وبأي دولة يشعر مواطنوها بفقدان الامان عند انهيار بناية? واين هي هيئة ادارة الكوارث التي وعد بها المواطنون منذ سنوات? واين هي الاتفاقات المبرمة بين لبنان وعدد من الهيئات الدولية حول ادارة الكوارث؟

ان الحل الوحيد لتفادي ذلك, وحتى تنهض حكومتنا بمقومات بقائها وتصبح حكومة للاعمال لا للتصريحات الارتجالية والزيارات الاستعراضية, فانها مطالبة بعدم التلهي بالتجاذبات السياسية التي طفحت على السطح بعد وقوع الكارثة والالتفات الى مطالب مواطنيها, وان تعمل اولا على استئصال الكوارث الموجودة في اداء بعض اداراتها لضمان التعامل بمسؤولية وايجابية مع مثل تلك الحوادث ان حدثت مستقبلا, لا سمح الله, فلن يقبل اي لبناني بعد الآن بان ينحصر دور حكومته على تقديم الهبات المالية كردات فعل على الكوارث, دون ان تكون لديها القدرة اساسا على ادارة اي كارثة تحدث, طبيعية كانت أم .. غير طبيعية!! 

السابق
روسيا تُراقب وتلوّح بطرح مشروعها الازرق للتصويت
التالي
على عينك يا تاجر