ميدان التحرير منقسم ومتنازع

في ساعات الظهيرة عندما حل هدوء طفيف في الأمطار، سمع فجأة تصفيق عاصف في ميدان التحرير. فقد أخلى آلاف الأشخاص الطريق لعريس وعروس- من مؤيدي الإخوان المسلمين قررا بدء حياتهما الزوجية في المكان الذي أصبح رمزا للثورة. ولكن سرعان ما تحول العرس إلى مظاهرة سياسية. «الشعب يريد إسقاط الحكم العسكري»، هتف «ضيوف العرس»، الذين تحولوا في لحظة إلى نشطاء سياسيين.

سنة بالضبط مرت منذ ذاك اليوم الغاضب التاريخي في 25 كانون الثاني 2011 والذي أدى إلى إسقاط حسني مبارك. على مدى 18 يوما استمرت الثورة حتى اعتزال مبارك. المظاهرات والعنف انتشرت في كل الدولة، ولكن ميدان التحرير بقي الرمز الذي لا يهتز. أمس (الأربعاء)، رغم الأمطار والتخوف من العنف عاد عشرات الآلاف إلى الميدان وهم يحملون الأعلام واليافطات.

ولكن التحرير اليوم مختلف. قبل سنة كان العدو واحدا، معروفا، متفقا عليه من الجميع. اما الان فالتحرير منقسم بين العديد من القوى السياسية، كل واحدة منها تشد باتجاه آخر. أمس (الأربعاء) وصل هذا الشقاق إلى تبادل الضربات بين مؤيدي الإخوان المسلمين ورجال الحركات الليبرالية الذين خشوا من أن تكون الثورة سرقت من أيديهم. بعض من حركات الشباب، ممن حركوا الثورة، طلبوا من رجالهم عدم الإنشاد في الشوارع وقالوا: «نحن لا نحتفل اليوم، بل نحاول استكمال مطالب الثورة».
الإخوان المسلمون الذين فازوا بانتصار جارف في الانتخابات للبرلمان احتفلوا هم بـ «العيد الأول للثورة». وأوضح زعماء الإخوان المسلمين بأنهم لن يؤيدوا انقلابا آخر ضد قيادة الجيش، أغلب الظن خوفا من أن يفقدوا كل ما حققوه حتى الآن. ولكن مؤيديهم طالبوا بنقل الحكم إلى المدنيين وعدم إبقائه في يد الجيش. هذا التخوف، من ألا يترك طنطاوي وعصبة الجنرالات مكانهم، هو القاسم المشترك الوحيد الذي يوحد اليوم القوى السياسية مصر.
 وهكذا في يوم الذكرى السنوية الأولى للثورة، بقيت مصر في إحساس من انعدام اليقين. الوضع الاقتصادي يعرج وعلى شفا الانهيار. الوضع السياسي لا يزال محوطا بالغموض. مصر نجحت في استكمال حملة انتخابات قوية، مضنية ومعقدة في نهايتها فاز الإسلاميون بأغلبية جارفة لأكثر من 70 في المائة في مجلس الشعب. ولكن بعد نصف سنة فقط ستنتهي عملية الانتخابات بكاملها بعد أن ينتخب المجلس الأعلى، وفقط بعد ذلك الرئيس الجديد. ولكن هنا أيضا ليس واضحا ماذا ستكون عليه صلاحيات الرئيس. الجيش، كما أسلفنا، لا يسارع التخلي عن صلاحياته والاخوان المسلمون ايضا يسرهم طريقة نظام تمنح قوة للبرلمان حيث يسيطرون دون منازع.

موضوع آخر يشغل بال المسلمين ومن شأنه أن يسرق الأوراق من جديد هو مستقبل حسني مبارك الذي يقدم هذه الأيام إلى المحاكمة على قتل متظاهرين. عندما اعتزل مبارك، أغلب الظن بضغط من الجيش، قدر بانه هكذا أنهى دوره. ولكن الجمهور المصري يثبت، الان ايضا، بانه لا يغفر للرجل الذي حكمه على مدى ثلاثة عقود. اذا ما ادين مبارك من الصعب التصديق بان الجمهور سيكتفي باقل من عقوبة الموت. اما اذا برئت ساحته، فيوجد احتمال عال لعنف بمستوى لم يشهد له مثيل منذ الثورة.
فضلا عن مبارك، اثبتت السنة الاخيرة كم هو العداء لإسرائيل متجذرا داخل الجمهور المصري. فقد تعرضت السفارة الإسرائيلية إلى الهجوم السنة الماضية من عشرات الالاف احتجاجا على جولة التصعيد في غزة، ومرحلة جديدة، باردة وبشعة، بدأت في علاقات إسرائيل – مصر. القوى السياسية، بمن فيهم الاخوان المسلمون، حرصوا على الابقاء على براغماتية حذرة. أي من الاحزاب في مصر لا يتحدث عن إلغاء اتفاقات السلام بل فقط عن تغيير أو إعادة نظر. ولكن في المناخ غير المستقر لمصر يمكن للأمور ان تتغير بسرعة. السنة القريبة ستبين اذا كان الحكم الجديد سيتطلع إلى الاستقرار الداخلي فقط ام ربما يحرص على الاستقرار في العلاقات الخارجية ايضا.  

السابق
اختلاف تقني أم علامة سؤال جوهرية؟
التالي
الشباب تمردوا والإسلاميون ربحوا