لو يسكن باسيل في المنصورية!

المنصورية بعد فسّوح: إمّا التهجير وإمّا الموت! إنّها حكومة العجز الكامل، و»الثرثرة على ضفاف التوتر العالي»…

لا يريد الوزير جبران باسيل أن يقتنع بأنّ رفض أهالي المنصورية – عين سعادة لخطوط التوتر العالي ليس دلعاً، من نوع الدلع الذي يمارسه بعض السياسيين، بل هو ناجم عن مخاوف أكّدتها دراسات علمية قام بها باحثون كبار في دول متقدّمة في أوروبا وأميركا. فهؤلاء المواطنون خائفون على سلامتهم وسلامة أولادهم. ومشكلتهم هي أنهم يعرفون، فيما المطلوب منهم هو الجهل والقول "إنّ الصحّ هو فقط ما يقوله باسيل وما يفعله".

الوزير باسيل يقول إنه لم يَثبُت وجود خطر مؤكَّد من أثر الحقل الكهرو- مغناطيسي الناجم عن التوتر العالي. وهو في ذلك يتجاهل دراسات قاطعة أجرتها مؤسسات دولية وطبية وأكاديمية متخصّصة، في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، تؤكد أنّ الموجات الكهرو- مغناطيسية مشبوهة، خصوصاً في التسبّب بسرطان الدم لدى الأطفال. وعلى أساس هذه الدراسات يتمّ توزيع شبكات الخطوط في بعض الدول. ولكن، حتى وإن تكن هناك نتائج علمية متضاربة، فليس لباسيل أن يجري الاختبار على الناس، لأنهم ليسوا فئران اختبار. وإذا أراد إثبات عدم وجود ضرر على عائلات المنصورية، فلينقل مسكنه، هو والعماد ميشال عون وأولادهما وسائر المطمئنين المحيطين، من الملجأ الآمن في الرابية إلى المنطقة التي قد "يَشْويها" خط التوتر العالي. عندئذٍ يقوم بالتجربة أصحاب الخيار أنفسهم، وعلى حسابهم الخاص، وليس على حساب الآخرين.

في أيّ حال، تلك هي النظرية التي على أساسها بنى عون عمله السياسي: نحن وحدنا نحتكر الحق والحقيقة، ومَعَنا من يتحالف مَعَنا. وأمّا الآخرون جميعاً فهم فاسدون ومتآمرون… إلى أن يقتنعوا بالتحالف مَعَنا، أو بالسكوت على الأقل. عندئذٍ نمنحهم صكّ البراءة!

بين الفشل… والشُبْهة!

أن يجبِر باسيل أهل المنصورية – عين سعادة على القبول باحتمال أن "يَشْويَهُم" خط التوتر العالي، رغماً عنهم وعن أولادهم ومؤسساتهم التربوية، وهم جميعاً خزّان الجباية الأساسي الذي عليه يعتمد تمويل الكهرباء في لبنان، فهذا يعني في وضوح أن هناك مؤامرة عليهم ينفّذها بعض الذين يُنَصّبون أنفسهم مدافعين عن أهل المتن، والمسيحيين عموماً، من أجل مصالح معيّنة.

وأن يخرج مجلس الوزراء بما يشبه الإنذار للأهالي: من يخاف على سلامته ما عليه إلّا أن يبيع بيته بأرخص الأسعار، في منطقة هي بين الأغلى عقارياً، مع حصر عدد المساكن المعنيّة بـ53، فهذا يعني تهجير المنطقة.

فالمساكن المهدّدة تتجاوز الـ180، وهناك مؤسسات تربوية تحتضن آلاف الأطفال وعشرات الأساتذة والقيّمين على الشأن التربوي. ويتبيّن أن التعويضات العادلة بدل المساكن تفوق أكلافها ما يمكن أن يكلّفه تمديد خطوط التوتر في عمق مناسب تحت التراب، وضمن شروط العزل العلمية، لأنّ الطمر من دون مراعاة هذه الشروط قد يكون أشدّ خطراً. ولكن، وفي أيّ حال، ماذا ستفعل المؤسسات التربوية؟

والسؤال أيضاً: من يمنح أيّ سلطة حق الطلب من مواطنين مغادرة بلدتهم تحت أي شعار؟ وماذا ستفعل الحكومة بالشقق التي ستفرغها في المنصورية – عين سعادة؟ لمن ستبيعها؟ وهل يحقّ لمسؤول أن يترك تقدير المخاطر أمراً استنسابياً للمواطنين أنفسهم. فمن يشعر بالخطر يغادر منزله، ومن يطمئنّ لا يفعل؟ فليس في العالم سلطة تكون فيها إجراءات السلامة العامة استنسابية، أي مرهونة بمدى اقتناع كل مواطن بها!

عدا عن ذلك، إنّ المواطنين الذين يعتقدون اليوم بعدم وجود مخاطر من موجات التوتر العالي هم أنفسهم قد يكتشفون في أي لحظة وجود هذه المخاطر، فهل سيكون الحلّ بلجوء الدولة إلى دفع تعويضات جديدة لهم كي يخلوا منازلهم؟… وإلّا فسيُخلي هؤلاء مساكنهم، ولو مجاناً، ويهربون إلى أماكن آمنة، أو أنهم سيضطرون إلى البقاء فيها على رغم علمهم بالخطر على سلامتهم. وهذا هو النموذج الذي أدّى إلى كارثة فسّوح، حيث من المؤكد أنّ سكان المبنى المنكوب ما كانوا غامروا بالبقاء فيه، في ظلّ مؤشرات التصدّع، لو كانت لهم إمكانات اللجوء إلى أمكنة أخرى.

لم يتعلّم المعنيّون درس فسّوح، والدم لم يجفّ بعد، حتى أرادوا "فسّوح جديدة"، وبالقوة، في المنصورية – عين سعادة.

إذا لم تكن هذه مؤامرة، فماذا يسمّونها؟   

السابق
لا إكراه في الكحول
التالي
هل يعود الحريري على العصا في 14 آذار.. وكيف سيجمع جمهوره؟