الشباب تمردوا والإسلاميون ربحوا

احتفلت مصر أمس بمرور سنة على ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني في ميدان التحرير، بالطبع. أراد الميدان أن يلبس ملابس عيد بيد أن الوجهين اللذين لبسهما أمس (الأربعاء) منعاه من ذلك، فقد كان من جهة وجه شاب مبتسم ينظر إلى الأمام – إلى المستقبل، ومن جهة ثانية وجه ذو لحية، ووجه منقب ينظران أماما إلى الماضي. ولا يزال يطل فوق الجميع من أعلى (في هذه الأثناء) الجيش الذي يعلم جيدا انه يتمتع بأيام فضل لا يزال يحكم فيها لأن الإخوان المسلمين لم يقرروا خلاف ذلك حتى الآن.

ينظر حسني مبارك الرئيس المخلوع من سريره في المستشفى أو من القفص الذي يشاهد فيه محاكمته إلى مصر الجديدة التي ولدت بعد ثورة التحرير– الثورة التي أنتجت رابحين وخاسرين ورأت أيضا كيف ينتقل أبطالها إلى معسكر الخاسرين.
لم يتخيل شباب التحرير، أبطال الأمة الذين بذلوا مئات من حياتهم من اجل سقوط النظام أنهم سيمنحون الدولة سريعا جدا، من غير أن يريدوا، على طبق من فضة حقا لطرف ثالث لم يفعل الكثير في تلك الأيام الـ 18. القوة الإسلامية.
بقينا نرى في الميدان أمس (الأربعاء) في واقع الأمر الشباب الليبراليين أنفسهم الذين يريدون استمرار النضال واستمرار الثورة. فهم يرون أنها لم تنته في الحقيقة. لم يريدوا مبارك لكنهم لم يريدوا أيضا الجيش في الحكم. لكن الفريق الطنطاوي لا يزال ممسكا بزمام السلطة، وتلقوا أيضا الإخوان المسلمين الذين يحكمون مجلس الشعب الآن.

الحديث عن سيناريو كابوسي بالنسبة لشباب التحرير. فقد طمحوا إلى خلع مبارك لكنهم لم يتخيلوا أن ثورتهم ستلد تحالفا غير ممكن تقريبا بين الجيش والإخوان المسلمين. إن أعداء الأمس أصبحوا حلفاء اليوم. لا يوجد حب هناك لكن توجد مصالح كثيرة جدا.
أصبحت كلمة الديمقراطية بفضل الثورة وبفضل أولئك الشباب موضة، وإن كان الجميع يعلمون في الواقع انه لا توجد ديمقراطية ألبتة سوى شيء قليل من الحرية. صحيح أن مصر جربت الانتخابات الديمقراطية الأولى لها منذ 1952 وولد عنها مجلس شعب ذو أكثرية إسلامية ساحقة تبلغ 72 في المائة ربعها من السلفيين. من كان يصدق؟ أن هذه الانتخابات منحت ممثلي القوى الديمقراطية الشابة أقل من 1.5 في المائة (سبعة مقاعد).
لكن الانتخابات حطمت في الأساس التعادل الذي كان يمكن ان يكون بين الجيش والإخوان المسلمين. فقد صار للإخوان الآن الصلاحية الأخلاقية ليحكموا، فقد حصلوا على ثقة الشعب.
وسيظل الجيش من جهته يطمح إلى الحصول على منصب وزير الحربية في الحكومة القادمة وعلى الميزانيات السرية التي يتمتع بها وعلى الامتيازات الاقتصادية في الأساس.
تنتظر مصر الآن دستورا جديدا ورئيسا جديدا سينتخب في الصيف. وسيلائم الدستور والرئيس أنفسهما للواقع الإسلامي الجديد. فلا يوجد بعد ثورة التحرير إمكانات أخرى كثيرة.
  

السابق
ميدان التحرير منقسم ومتنازع
التالي
حماس في ورطة