الإستهبال السياسي… في ذروته!

انقلب السحر على الساحر، وتحوّل تيّار التغيير والإصلاح إلى تيّار الفساد والتعتيم، حيث تحوّلت الوزارة التي عطّـل العماد عون تشكيل الحكومة من أجل إسنادها إلى صهره من مطيّة يراد استغلالها لتحقيق المكاسب المادية والسياسية الخاصة، إلى مقصلة سياسية تنذر بسقوط سياسي مدوي، لمن فشل بتحقيق الحد الأدنى من الوعود، بل حوّل هذه الوعود إلى تهديد عام للشعب، يطال المواطن الصالح قبل الطالح!.
فبعد الاستماتة للاستيلاء على الوزارات الخدماتية من طاقة واتصالات وعمل، أثبت وزراء التيار الحر أنهم ليسوا فاقدي الميزة عن خصومهم السياسيين وحسب، بل إنهم نسخة مشوّهة، وبالتالي أسوأ بكثير منهم.

إن الدور التعطيلي الذي لعبه الوزير نحاس في معالجة زيادة الأجور أضرّ بالعمال قبل أرباب العمل، وأكد نظرية التفرّد والتحكّم التي يحاول التيار فرضها على حلفائه، قبل خصومه، وأفقدته البقية الباقية من الثقة والمصداقية على الصعيد الشعبي.
أما وزير الكهرباء، فلا يزال يتخبّط في خططه الواهية التي أشبعت النّاس وعوداً، لم ولن يتحقق منها شيء، نظراً لغياب الرؤية المناسبة لتحقيقها والاستراتيجيات الفاعلة لتأمين كلفتها الباهظة، والتي تفوق قدرة الخزينة على تحملها، فلم يكتف الوزير باسيل بفرض خطة الكهرباء على مجلس الوزراء مصوراً رفضها على أنه استهتار بمصالح النّاس سوف يحرمهم من أبسط متطلباتهم الحياتية.
بل تمادى إلى فرض التكلفة وطريقة سدادها لوزارته بشكل غير مسبوق، فوافق مجلس الوزراء على مضض حرصاً على مصلحة المواطن وقوفاً على خاطر العماد عون، الذي ينجح في كل مرّة بتحميل حلفائه عقدة الذنب من عدم دعمه كما يجب… وهو الذي ضحّى بموقعه الطائفي حماية للحلف الهجين.

ولم تنته الحكاية عند الخطة وتكلفتها، بل توّجها الوزير باسيل برفضه المساعدات والقروض الميسرة من الصناديق العربية، وآخرها من الصندوق الكويتي، متذرعاً بتحويلها إلى الخزينة، وهو يعلم أن هذه الصناديق لا تمول خزينة دول، بل مشاريع معينة… إن موقفا مماثلا لا يمكن أن يفسّر منطقياً سوى التأكيد على التفرّد بصرف المال العام من دون رقابة او وصاية لغايات ستكشفها الأيام إذا ما منحت صاحبه فرصة إضافية لإتمام هذه الصفقة!.
أما الاستهبال السياسي فقد بلغ ذروته بدعوة العماد عون المواطن «الآدمي» للنزول إلى الشارع والتظاهر، فكانت رسالة مبهمة لم يفهمها جمهور التيار ولا الحلفاء، وبالطبع جمهور 14 آذار… فالتظاهر سيكون ضد مَن: الحكومة التي يشكلها مع حلفائه، أم ضد الوزير الذي أخفق حتى اليوم، وبعد ولايتين في هذه الوزارة، في تحقيق أي تقدّم يُذكر؟ أم ضد حكومات سابقة طواها التاريخ بعدما أسقطها فريقه السياسي؟.إن المنطق يحتم التحرّك الشعبي والعفوي الذي يقوم به النّاس في مختلف المناطق مطالبين الوزير المختص بتحمّل مسؤولياته والكف عن إلقاء اللوم على خصوم الماضي وشركاء الحاضر… ويبدو أن هذا التحرّك أخذ مدى أكثر مما كان مكتوباً له، وبدأ يخرج عن طوع قيادته، فسارع «حزب الله» بإصدار بيان دعم للوزير باسيل لن يسمن قاعدته ولن يغنيها عن جوع!.
لقد طفح الكيل الشعبي من الوعود في ظل غياب الأفعال… بغض النظر عمّا إذا كانوا من المسددين للفواتير أم لا، أو إذا كانوا من سكان بيروت أو ضواحيها… وهي العاصمة التي لا يفوّت التيار فرصة حتى يتوعدها بأحلك الأيام وأصعب الظروف بسبب العقلية الفئوية المعتمدة على الكيدية للانتقام وتسجيل النقاط في حسابات خاصة ضيّقة، سرعان ما تترك آثاراً سلبية على الصعيد الوطني، وعلى الحساب الشخصي!.

لقد أثبتت الأيام الماضية أن الأزمة المعيشية والمطالب الملحة وحّدت ما فرّقته السياسة من دون حاجة لمايسترو حتى ينظم حركة الشارع.
لقد لعبت العفوية الشعبية دور المايسترو، وأجبرت قياداتها، إلى حدّ ما، على اللحاق بها، فهل تكمل المسيرة على هذا النحو أم تعود الأجندة السياسية لتستلم زمام الأمور وتقوّم حركة الشارع وتضبط نبضه على هواها؟ وإذا كان القرار القيادي في هذا الاتجاه، فهل ينجح في لجم الغضب العام… وإلى متى سيبقى قادراً على سداد فواتير إخفاقات الشريك الباهظة؟!.  

السابق
قضية زورق الصيادين
التالي
كاسياس يطلب من حكم الكلاسيكو مشاركة لاعبي برشلونة الاحتفال بالتأهُّل