ديبلوماسية موجعة

شكلت المبادرة العربية لحل انتقالي في سورية، والتي قيل أن دول مجلس التعاون الخليجي تقف وراءها، ضربة ديبلوماسية موجعة أصابت في الصميم هدفين اثنين، هما النظام السوري نفسه وحليفه الروسي المتحمس له والمدافع عنه والذي يحول حتى الآن دون صدور قرار دولي في مجلس الأمن يدينه.

وقد اضطرت دمشق إلى إعادة «نبش» وزير خارجيتها وليد المعلم الذي كان «اختفى» منذ عرضه على الصحافيين الفيديو الملفّق المشهور قبل أسابيع، ليهاجم المبادرة ويؤكد أن «لا حل عربياً في سورية بعد اليوم»، بعدما كان أعلن مراراً ترحيبه وتمسكه بالحل العربي، وليكرر ما سبق أن قاله الأسد نفسه في خطبه من أن الحل الأمني «مطلب شعبي» وأنه لا بد من حسم المواجهة بالقوة مع المطالبين بالتغيير.

لكن ما الذي أزعج النظام السوري إلى هذا الحد؟

لقد شعرت دمشق أنها وقعت في فخ مواقفها عندما ركزت في الفترة الماضية كل جهدها الديبلوماسي على رفض أي تدخل أجنبي في شؤونها، وشجعت حلفاءها الكبار والصغار على التنديد بمحاولات تطبيق «النموذج الليبي» سواء عبر التدخل العسكري المباشر أو عبر إقامة مناطق آمنة لحماية المدنيين السوريين، لأنها كانت مطمئنة إلى أن غموض مواقف وتردد بعض الدول العربية مثل مصر وسلطنة عمان، ورفض البعض الآخر مثل لبنان والجزائر وربما العراق، يحول دون أي قرار عربي موحد يطرح في شكل مباشر رحيل نظام الأسد ويدعو لانتقال تدريجي وسلمي للسلطة في سورية.

لكنها فوجئت بنجاح الديبلوماسية الخليجية في تكوين إجماع عربي، إذا استثنينا الاعتراض الجزائري الجزئي و «النأي بالنفس» اللبناني، لتطرح مبادرة تستند إلى تجربة أثبتت نجاعتها في اليمن الذي دخل مرحلة انتقالية بفضل تسوية سياسية أوقفت النزف الناجم عن استخدام النظام القوة لمواجهة الاحتجاجات المطالبة برحيله، وضمنت التغيير.

لكن الرفض السوري الفوري والشامل للمبادرة يعني أيضاً أن دمشق لا تترك خياراً آخر سوى الذهاب إلى مجلس الأمن والتدويل، وأن توتر نظامها وصل إلى درجة حالت هذه المرة دون محاولته المناورة عبر قبول بنود ورفض أخرى والتفاوض على ثالثة، مثلما فعل بالنسبة الى بروتوكول المراقبين.

أما روسيا التي استجار بها المعلم واستبعد أن تقبل بالاقتراح العربي، فيطغى الإحراج على موقفها بعدما «أخطأ» وزير خارجيتها سيرغي لافروف في حساباته وتوقعاته، ودافع في أكثر من مؤتمر صحافي عن «الحل اليمني» الذي أكد أن موسكو شاركت فيه بفاعلية واعتبره مثالاً يحتذى في سورية، ولأنه كان يظن بدوره أن العرب غير قادرين على الاتفاق على موقف مماثل بعدما تركوا اليمن لجيرانه الخليجيين.

لكن المحرج أكثر أن يبادر الوزير المعلم إلى إعلان رفض روسيا المبادرة العربية قبل أن يصدر أي تعليق من موسكو نفسها، وكأن القرار الروسي في يده، خصوصاً بعدما بدأت بوادر التململ من تعنت دمشق تظهر في تصريحات المسؤولين الروس.

لكن إذا نجح الأمين العام للجامعة العربية ورئيس الوزراء القطري في مسعاهما لدى الأمم المتحدة لتأمين عرض الخطة العربية لسورية على مجلس الأمن بغرض تبنيها، بالتوازي مع التحرك الأوروبي والأميركي لإصدار قرار يدعم المبادرة ويهدد بفرض عقوبات على دمشق، سيكون من الصعب كثيراً على موسكو تبرير استمرارها في رفض ما تعتبره «تدخلاً خارجياً» في الشؤون السورية بعدما روجت هي للحل العربي باعتباره يبعد التدخل الأطلسي.

أما الذين تسرعوا في انتقاد مبادرة الجامعة واعتبروها دون المطلوب، فقد فاتهم أن العرب لا يملكون عملياً وسائل تطبيق مبادرتهم، وأن اقتراح فرض عقوبات على سورية أدى إلى انقسام دول الجامعة، وأن الأفضل حالياً مواصلة الجهد الديبلوماسي المتدرج، لكن الفاعل.  

السابق
اختلاف المعارضة لن يفسد للثورة قضيتها
التالي
حلفاء دمشق يخشون البازار الدولي