حلفاء دمشق يخشون البازار الدولي

اثارت المبادرة العربية التي وضعت خريطة طريق للخروج من الازمة السورية ينوي القيمون عليها الحصول على دعم لها وتأييد من المجتمع الدولي، ارباكا واضطرابا لدى حلفاء النظام السوري في لبنان بحيث لم يتوان بعضهم عن التعبير عن هذا التوتر بعصبية وبعدائية ازاء اطراف آخرين لهم آراء مختلفة ازاء النظام. ولا يخفي بعض هؤلاء ان ما صدر عن دول الجامعة العربية بالاجماع كان مفاجئا لهم الى حد بعيد وصادما اذا امكن القول. اذ ان اتفاق الدول العربية للمرة الاولى على طلب تنحي رئيس عربي امر يدخل معطيات كبيرة على المشهد السياسي في المنطقة ويجعل الامور صعبة الى درجة كبيرة بالنسبة الى النظام. ويقر هؤلاء ان اعلان وزير الخارجية السوري وليد المعلم في المؤتمر الصحافي الذي عقده بانه اتصل بمسؤول روسي اكد له ان العلاقات السورية الروسية على متانتها وان روسيا لن تقبل اي تدخل انما عكس مدى الارباك والخوف اللذين احدثهما الموقف العربي لجهة المتغيرات التي يدخلها على المعطيات السياسية القائمة. ذلك ان القيادة السورية تدرك جيدا اهمية الاجماع العربي ولو حاولت الاستهانة به واحتمال تأثير هذا الاجماع على الموقف الروسي الذي امن حتى الان الغطاء لاستمرار النظام ومنع ادانته دوليا. ولذلك كان المعلم في حاجة الى التأكد من متانة الموقف الروسي وبقائه على حاله قبل ان يعقد المؤتمر الصحافي معلنا رفض الخطة العربية. لكن المسألة ان العرب انفسهم اظهروا بالاجماع انهم اصحاب الحل والربط في الحل السوري وليس المجتمع الدولي المتدخل في هذا الشأن. الا ان الحلفاء في لبنان يعون جيدا ان الامور لن تكون سهلة بالنسبة الى النظام في ضوء هذه المعطيات الجديدة. اذ يتهم هؤلاء الدول العربية بانها وضعت موضوع رحيل الرئيس السوري بشار الاسد عن السلطة على الطاولة للتفاوض على اقل تعديل ان لم يكن اكثر. وهذا الامر مثار قلق كبير وعميق بالنسبة اليها ولو انها تصر علنا على امكان خروج النظام من الازمة. اذ ان هذا الموقف المطالب بتنحي الرئيس السوري يعني رفع الغطاء العربي عن النظام السوري وسيكون صعبا على رؤساء وزعماء الدول التراجع عنه، كما سيكون صعبا عليهم التعامل مع الرئيس السوري في حال بقي في السلطة ولذلك هم يطلبون رحيله او تنحيه. وما يخشاه هؤلاء في العمق ان يكون قد بدأ بازار فعلي دولي حول مصير النظام او هو على وشك ان يبدأ. اذ يدرك هؤلاء ان روسيا ستكون محرجة ازاء العرب وسقوط المزيد من القتلى يوميا حين يطرح في مجلس الامن مشروع تبني الخطة العربية للحل في سوريا لا اكثر ولا اقل اي من دون تدخل خارجي او عقوبات دولية على النظام او فرض مناطق حظر جوي. ذلك ان هذه العناصر الاخيرة هي عناوين الرفض الروسي لاي قرار في مجلس الامن في حين يدرك الروس ان المخرج الذي قد يكون لا يزال سهلا للنظام راهنا قد يغدو اصعب متى استمر الحل الامني على وتيرته الحالية او في حال تصاعد كما حصل في الايام القليلة الماضية.

يضاف الى ذلك ان الرئيس الاميركي باراك اوباما تحدث عن ايام معدودة للرئيس السوري في السلطة وهذا الكلام يخوض به حملته الانتخابية لولاية ثانية حتى لو ان الايام المعدودة تعني بضعة اسابيع. وكذلك فعل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي يخوض بدوره حملة لاعادة انتخابه في الاشهر المقبلة ومن الصعب عودة الامور الى الوراء بعدما بلغت هذا الحد خصوصا على الصعيد العربي على رغم مراهنة هؤلاء على ان الرئيس السوري لا يزال يملك فرصة انجاح مشروعه في مهلة الشهر التي وافق عليها للتمديد لبعثة المراقبين العرب وانهاء المجموعات التي تثور ضد حكمه في موازاة السير بالاصلاحات التي اعلن عنها. لكن الدول العربية بدأت تسابقه في رأي هؤلاء على استثمار التوقيت لمصلحتها ومنع النظام من الاستفادة منه في المقابل. ولذلك فان اهمية الاسابيع المقبلة تكمن في ما اذا كان سينجح الروس في تأجيل الاستحقاق الدولي وتمييع الخطة العربية ام لا.

وهذا الارباك الذي لم يستطع بعض حلفاء النظام اخفاءه على خلفية الخطة العربية لمستقبل الوضع في سوريا اعاد الى الواجهة المخاوف من توتر في الداخل مع تصعيد هؤلاء لهجة الخطاب السياسي معطوفا على ما حصل من تعديات سورية عبر الحدود. وكان لموقف وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور الداعم للنظام في سوريا اثر في هذا الارتباك الداخلي باعتباره عبر عن انقسام داخل الحكومة اللبنانية في ظل ما سبق ان عبر عنه كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والرئيس نجيب ميقاتي حول اعتماد سياسة النأي بالنفس في موضوع سوريا. في حين ان وزير الخارجية لا يعبر عن رأي ديموقراطي او سياسي شأنه شأن السياسيين بل هو يمثل الحكومة اللبنانية ويفترض تاليا ان يكون اخذ موافقة المرجعيتين الاولى والثالثة على مواقفه ان لم يكن موافقة مجلس الوزراء مجتمعا. كما لا يخفى الاثر السلبي لتصريحات المسؤول الايراني قاسم سليماني التي وان كانت تعبر عن مدى التوتر الايراني ايضا في ظل اعتبارات متعددة، فانها تزيد من عوامل الخشية على الوضع اللبناني او تظهرها اكثر. 

السابق
ديبلوماسية موجعة
التالي
مورابيتو: نقلق على مستقبل المسيحيين