إشكالات الواقع المأساوي للجنوبي

في ظل برودة طقس كانون الثاني، وصقيع البرد يرتفع لهيب حماوة التحركات الشعبية والجماهيرية، التي وإن كان هناك من يغمز من قناة إنها تحركاتٌ بإيعازاتٍ سياسية، لكن المتتبع لهذه التحركات، يُمكنه أن يُلاحظ أن من يقومون بها ليسوا محسوبين على طرف واحد دون غيره، بل أن هذه التحركات تتوزع مناطقاً وأطرافاً، والمشاركون فيها ينتمون إلى غالبية الأطراف، لأن الهم واحدٌ ومشترك، والإكتواء بنار إرتفاع أسعار المازوت والتقنين القاسي على التقنين المعلن للتيار الكهربائي، لا يُفرق بين الإنتماء والميول السياسي لمواطن دون آخر، وإن كانت بعض المناطق الجنوبية تُعاني من تقنين أشد قساوة..
وقد يتذرع المسؤولون في وزارة الطاقة والمياه، بالغمز من أن تحركات الموالين للمعارضة، هو توظيف في إطار المعارضة السياسية، وأن هذا التحرك هو للضغط على وزير الطاقة والحكومة، ولكن ماذا بالإمكان القول عن تحركات الحلفاء في الحكومة، وإعلان النشطاء والمناصرين لقوى رئيسية ومؤثرة فيها، التي لم تستطع إقناع مناصريها عن أسباب زيادة المعاناة، حيث ضاق الحلفاء ذرعاً من تصرفات الوزير باسيل، الذي أصبحت علاقته مع القوى السياسية الحليفة في الحكومة، متأثرة بصقيع كانون، والتي يؤمل أن لا تستمر حتى إنتهاء صقيع فصل الشتاء..
وبات تزاحم وتداخل الملفات اللبنانية الداخلية، تحتاج إلى «عرافٍ» لحل «طلاسم» العقد والعقبات العديدة والمتشعبة، قبل إرتفاع وتيرة التحركات في الشارع التي لن يقتصر الإكتواء بنارها على المواطنين، بل سيكون المسؤولون في القوى السياسية التي ينتمون إليها مضطرين للإنصياع والرضوخ إلى هذه المطالب المحقة، حتى لا يتجاوزهم المناصرون، وإن فعلوا ذلك فإنهم لن يكونوا بمنأى عن الإكتواء بالنار المتأججة في عز الصقيع القارص..

يقف الجنوبي مذهولاً وسط مجموعة المشاكل والقضايا الإجتماعية التي تواجهه في حياته اليومية، من معاناة وضيق أفق في محاولة قفزه فوق الصعوبات والعراقيل، التي تقمع وتحد من جهده في تأمين لقمة العيش التي تسعّر رمقه ورمق عياله في مختلف نواحي الحياة التي يواجهه ويعيش..
فالجنوبي الذي يكاد يأمل بمحصول، ولو إلى مدى فوق العجز الإقتصادي الذي يلاقيه مع كل موسم زراعي، أو في الحد الأدنى يساويه، وهو الذي يراهن مع كل بداية موسم من زراعاته، سواء بالنسبة للحمضيات أو الموز أو حتى موسم زراعة البطاطا، حيث فوجئ بعدم توفر الأسواق الخارجية التي توفر له البحبوحة من خلال عملية التسويق، وذلك نتيجة الأوضاع السائدة في المنطقة من جهة، التي لا توفر وسائل وطرق تسويقها إلى خارج الحدود بعيداً من محاذير ما يُسمى الكساد، حتى جاءت مفاعيل الطبيعة من طقس قاسٍ، من رياح قوية، وثلوج ثقيلة أثرت على الموسم، وخربت القسم الكبير منه، مما جعله غير مناسب للتصدير، ولو في إطار الحدود الدنيا التي كانت تسمح بها ظروف المنطقة..
وهذا ما جعل الموسم برمته يقع تحت طائلة الخسارة، أو على الأقل ضمن دائرة عدم الربح، وهذا ما يعتبر في عرف التجارة ضرب الموسم والخسارة الحتمية لكل الآمال والطموحات التي كان يُعلقها المزارعون على موسمهم، في تأمين لقمة العيش، وضمان العيش في الحد الأدنى بمطالب الحياة خلال السنة، ومن موسم الى موسم آخر كما هو مفروض ومفترض في إطار الحياة الزراعية..
ضرب الموسم الزراعي
وهكذا جاءت الطبيعة لتساهم في تأزيم الواقع في ضرب الموسم، كما تُساهم في سياق ما حصل في عدم رأب التصدع ما بين المصاريف والمداخيل..
في خضم هذه المعاناة، التي تهدت في بعض فصولها إقدام العديد من المزارعين في أماكن متعددة من المناطق الجنوبية على التجمع والتظاهر ورمي حمضياتهم في الطرق العامة، إحتجاجاً على بوار الموسم من جهة، وغياب أي مسؤولية للدولة التي كانت غائبة عن هذه المصيبة، التي علمت به حيث لا مسؤولية في التعويض، أو على الأقل محاولة إيجاد وسائل وسبل تُساهم في التصدير تحول دون ضرب الموسم، ودون وقوع المزارعين تحت طائلة الخسارة، خاصة إنهم يُشكلون عدداً كبيراً لا يستهان به بين أبناء الجنوبيين، حيث تشكل الزراعة في الجنوب العامل الأكبر، ويكاد يكون العامل الوحيد في تأمين العيش لهم، وسط غياب المعامل والمصانع أو المجال الوظيفي الذي بالكاد يُساهم في محاولة تأمين العيش الذي يعتبر في أحسن حالاته يوازي حداً أدنى أو حدوداً دنيا لكل مظاهر الحياة الحرة الكريمة..
وسط هذا الجو المحموم من التأزم في مصادر العيش الأساسية التي تُحاكي الكارثة بكل مفاهيمها ومعانيها، تحل على الجنوبيين ما يُشابه الكوارث في مجالات أخرى من مجالات العيش، ومنها كارثتي المازوت والكهرباء.
فلقد فوجئ الجنوبي خلال موسم الشتاء القاسي والعاصف، بفقدان مادة المازوت التي تلعب دوراً أساسياً في تأمين التدفئة حيث تقوم التدفئة على ما يسمى الصوبيات التي تعمل على المازوت، وحيث تؤمن مادة المازوت تشغيل موتورات المياء التي توفر مياه الشرب من جهة، ومياه الري من جهة ثانية، التي تساهم في إنعاش مزروعاته الحمضية الأساسية لمعيشته.
ولعل المفاجأة أن فقدان مادة المازوت تحل بالرغم من وجود مصفاة الزهراني، المفروض في واقع الحال والأمر أن تتوفر فيها المادة في أبسط الحالات بل في أدقها حراجة.
بري لن يسمح بتضرر الجنوبي
وما أثار ريبة أبناء الجنوب في هذا الواقع، ما كشف عنه وقائع الأمور التي تكشفت عن إقدام وزير الطاقة جبران باسيل متابعة عملية توزيع المازوت، وخاصة المازوت الأحمر فيما بين مصفاتي طرابلس والزهراني، حيث تبين أن الكمية الكبرى من هذه المادة قد وزعت بكمية كبيرة إلى بعض المحاسيب و«الأزلام» من خلال مصفاة طرابلس، بينما وزعت كمية محدودة عن طريق مصفاة الزهراني، وهذا ما أدى وأثار ريبة وحساسية رئيس المجلس النيابي نبيه بري، تجاه مثل هذه القضية التي تؤثر على حياة الجنوبي، وتضييق عليه وسائل عيشه وحياته اليومية، وخاصة أن وزير الطاقة بعتبر حليفاً للرئيس بري، نسي أو تناسى أن الرئيس بري الذي قد يرضى بمسايرة حليفه، ولكنه لا يرضى ولا في أي حال ولا تحت أي ذريعة أو سبب، بأن يُصاب الجنوبي ويتضرر من أي تأثير على وسائل عيشه وحياته.
ومن هنا، كما ينقل مطلعون على خفايا الأمور، ثارت ثائرة الرئيس في هذا السياق على تصرفات الوزير باسيل، فأقام الدنيا ولم يقعدها على رأس الوزير، وحيث لا تزال نار هذا التصرف مشتعلة. ولا بد أن يدفع وزير الطاقة ثمن تصرفه، هذا الذي يطال الجنوبي ولا يرضاه الرئيس بري ولا بشكل من الأشكال.
ولعل المفارقة العجيبة والغريبة في آنٍ معاً، أن تصادف هذه المسألة، مع ما هو مطروح وواقع على الساحة الجنوبية، حيث يقوم الوزير باسيل بإلحاق الجنوب وإيقاعه تحت طائلة التقنين القاسي من الكهرباء، الذي وصل في أيام كثيرة إلى حدود الأربع ساعات في اليوم الواحد، وفي مناطق معينة بالذات في المناطق الجنوبية بالرغم من إمكانية توفير أكثر، بل ما يزيد عن 12 و14 ساعة إضاءة في اليوم حسب الإمكانيات المتاحة من قبل «مؤسسة كهرباء لبنان».
ويُمكن القول أنه هذا الإطار الذي يجري فيه تقنين التيار الكهربائي بهذا الشكل القاسي والمرير على أبناء الجنوب، وفي هذا الجو المتأزم لدى الرئيس بري على ضوء هذا الواقع المأساوي لتصرفات وزير الطاقة، يتساءل الجنوبي عن المواقف الصارمة التي يُمكن يأخذها الرئيس بري في محاولة الحفاظ على حقوق الجنوبي، التي يتسبب وزير الطاقة بهدره، ويستهزأ به، وهذا ما يعتبر الخط الأحمر لدى الرئيس بري.
والسؤال ماذا ستكشف عنه الأيام، وما هي الإجراءات التي يُمكن أن تحدث في الأيام المقبلة؟ تلك هي المسألة.
تحركات احتجاجية
شهدت العديد من المناطق من صيدا الى مختلف المناطق الجنوبية تحركات احتجاجية، حيث نزل المواطنون الى الشوارع، وقاموا بقطع الطرقات واشعال الاطارات المطاطية وحاويات النفايات، وهو يُمكن أن يؤدي الى تصعيد التحركات إذا ما استمر الاستهتار تجاه المواطنين وحقوقهم.
لقد بات المواطن يخشى من تنقلاته، ليس من حدث أمني – على إعتبار أن الأمن مضبوط، وإن من بيده قرار الإستقرار أو التفجير الداخلي ليس بوارد أي توتيرٍ داخلي، بل من أي تفجيراتٍ أو أحداثٍ أمنية متنقلة، تحمل رسائل عديدة، ومنها الى خارج الداخل اللبناني، ولكن من خلال ساحته، وليس عملاء «الموساد» الإسرائيلي ببعيدين عن القيام بمثل ذلك، حيث كشفت التحقيقات مع شبكات التجسس العملية التي أوقفتها الأجهزة الأمنية اللبنانية، عن دور الفتنة الذي قام بها أفرادها بإيعاز وتوجيهٍ وتخطيط إسرائيلي.
كما أن المواطن، الذي يعيش تقنيناً على تقنين، يُعاني من إرتفاع تسعيرة رسوم الإشتراك بالمولدات الخاصة، التي لم تعد التسعيرة التي جرى إقرارها من قبل وزارة الداخلية، وعممت على البلديات – واقعية، ما يضطر أصحاب المولدات الى رفع أسعار الإشتراكات، أو إعتماد تقنينين على ساعات التغذية والمولدات.
ولا يقتنع المواطن الجنوبي أنه لا يستفيد من تغذية التيار الكهربائي بالشكل المطلوب، على الرغم من وجود معمل لإنتاج الكهرباء في الزهراني، ومعمل مماثل في منطقة برج الشمالي – صور، في الجنوب، فضلاً عن وجود معمل الجية الحراري ومعملي بسري وشارل الحلو عند المدخل الشمالي للجنوب، وما يتحمل من مرور خطوط التوتر العالي فوق أراضٍ شاسعة، يتحمل تداعيات عدم إستخدامها كما الأراضي الأخرى غير المتضررة من «ذبذبات» التيار الكهربائي.

السابق
أي مبادرة للشباب اللبناني في 2012؟
التالي
اتفاقية صداقة وتعاون بين الجمعية الوطنية الايطالية للبلديات واتحاد بلديات جبل عامل.