أي مبادرة للشباب اللبناني في 2012؟

أن تكون شاباً في لبنان يعني أنّ الكفاح لا يمكن إلا أن يكون قوتاً يومياً لمواجهة شبح البطالة والهجرة ومحاولة بناء مستقبل في الوطن على رغم كلّ الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية. وهذه المواجهة المستمرة تفرض الاستسلام على فئة كبيرة من الشباب، مقابل فئات ترفض الانسحاب وترك القدر يتحكّم بها فتبلور مبادرات ومشاريع تحمل الكثير من الأمل بهدف خرق السوق المحلية والإقليمية وسط تنافس حاد في مختلف القطاعات الاقتصادية. إلى هذه الفئات تحديداً توّجه وزير المال السابق جهاد أزعور بإعلانه عام 2012 «سنة المبادرة والريادة للشباب اللبنانيّ» خلال افتتاح منتدى ريادة الأعمال الذي تنظّمه المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان «إيدال» بالتعاون مع «بيريتيك». ولفت هذا الإعلان إلى الثقة التي يمكن إيلاؤها إلى الشباب في لبنان ليكونوا هم أيضاً روّاداً في إحداث التغيير الاقتصاديّ بدل ترك المتغيّرات الخارجية تتحكّم بالاقتصاد المحليّ، لكنّه حمل في الوقت نفسه الكثير من التساؤلات: فأي دعمٍ يُقدّم للفئات الشبابية الطموحة لإنجاز مشاريعها؟ وهل يمكن للمبادرة الفردية أن تتخطّى مختلف العوائق لتتحقّق واقعياً؟.

نماذج ناجحة

المشاريع الشبابية الطموحة كثيرة والمبادرات أكثر. لكن المشكلة الأساسية تكمن في التمويل إذ يحتاج مشروع الصندوق الاستثماريّ لدعم المؤسسات الواعدة والمشاريع الجديدة إلى إعادة إحياء، كما أنّ القروض التي تقدّمها المصارف وآلياتها غالباً ما لا تكون مناسبة لشباب يخطون الخطوة الأولى انطلاقاً من الصفر. لكن تفتح بعض نوافذ الأمل في هذه الفترة أمام الشباب من خلال المنظمّات المدنية التي تدعم المشاريع والمبادرات ضمن مختلف القطاعات الاقتصادية. فجمعية «بادر» مثلاً تتصدّر لائحة المنظّمات المؤثرة في المشهدية الشبابية من خلال مختلف المشاريع التي تطلقها لمساعدة الشباب الذين يدخلون إلى سوق العمل. آخر تلك المشاريع «مسابقة هولندا لتصميم الألعاب الإلكترونية» الأولى من نوعها وتهدف إلى إشراك الشباب في تصميم الألعاب الإلكترونية في قطاع تجاري يعتبر مربحاً جداً.
 وهناك شباب كثيرون استطاعوا تحقيق نجاحات مختلفة عبر الاستفادة من خدمات جمعية «بادر» ومنهم رمزي جلبوت الذي بات اليوم يملك شركة خاصة لتحضير الكعك واللبنة وتوزيعهما في السوق المحلية بعدما دعمت الجمعية فكرته. رجا معوّض أيضاً استطاع أنّ يحقّق حلمه بافتتاح شركة خاصة لإنتاج التغليف الطبيعيّ لمنتجات اللحوم. هذه الأعمال الناجحة التي باتت مكرسة في السوق اللبنانية انطلقت من أفكار شباب طموحين وجدوا دعماً معنوياً ومادياً من خلال ورش عمل دورية متخصّصة تنظمها «بادر» لتطوير مهاراتهم وإمكاناتهم.

أمّا منتدى الشباب الاقتصاديّ في لبنان فأصدر منذ فترة وجيزة كتيّباً يوضح فيه 33 فكرة لسياسات يجب تطبيقها لتطوير المبادرة والريادة لدى الشباب، شارك في وضعه أكثر من 293 شاباً وصبيّة.

والهدف الذي يسعى إليه المنتدى من خلال هذا الكتيّب هو تحفيز الشباب على المشاركة في العمل الصعب والذي يحتاج إلى التحدّي في الوقت نفسه خصوصاً أنّهم «يواجهون طبقة سياسية تتجاهل الأفكار المُبتكرة» وفق رئيس المنتدى يحيى مولود. وميزة مثل هذا الكتيّب أنّه يعكس النظرة الشبابية الحقيقية إلى الواقع اللبنانيين والمتطّلبات التي يحتاجونها ليستطيعوا أن يكونوا مبادرين بمشاريع ضخمة، ومنها تعليم تكنولوجيا المعلوماتية في المناطق الريفية وإنشاء وتطوير المصانع الصغيرة بالإضافة إلى أفكار ترتبط بالعديد من القطاعات كالنقل العام والتخطيط المدنيّ والبيئة والسلامة العامة. ويمكن لهذا الكتيّب أن يشكّل منطلقاً أساسياً لفهم حاجات الشباب من قبل السلطات الحكومية التي يجب أن تكون عنصراً داعماً لمبادراتهم.

وفي الوقت نفسه تخصّص بعض المحطّات التلفزيونية المحلية مساحات للشباب ليعرضوا أفكارهم أمام كبار المستثمرين، فيُترك الوقت لهم ليشرحوا فكرتهم والأرباح التي يمكن أن يحقّقوها في محاولة لإقناع رجال وسيّدات الأعمال بالاستثمار في طاقاتهم وأفكارهم. كلّ هذه المبادرات يمكن أن تساعد في تحفيز الطاقات الشبابية، خصوصاً أنّ المشاركين يقدّمون مشاريع جديرة بالتفكير والتطبيق لما تحمله من أفكار مُبتكرة إلى السوق اللبنانيّة، وبالتالي تساعد في خلق فرص عمل جديدة وتفتح باب المنافسة، ليس محليّاً فحسب، وإنما إقليمياً أيضاً.

هل يتحقّق التحدّي؟

الأبواب فُتحت أمام الشباب اللبنانيّ خلال العام 2012 ليحقّق نقلة نوعية من الناحية الاقتصادية، وإن كان ذلك أتى ضمن إطار مبادرات مدنية لا حكومية، لكن المسيرة لا تزال طويلة كما يقول شباب التقتهم «الحياة». فهم يملكون أفكاراً طموحة جداً لكنّهم يتردّدون حتّى في اقتراحها لأنّ المناخ الاستثماريّ في لبنان كان ضعيفاً في السنوات القليلة الماضية.

ويقول كمال مدوّر، الذي يدرس الهندسة المعمارية: «يحتاج المسؤولون الحكوميون في لبنان إلى توعية حول أهمية دعم الاستثمارات الشبابية، فإذا تكلّمت اليوم عن الهندسة الصديقة للبيئة وحاجة لبنان إلى مثل هذه المشاريع التي يملك الشباب أفكاراً حولها، لن أجد إلا بعض الناشطين المدنيين إلى جانبي فيما المطلوب أيضاً أن تتحمّل الدولة مسؤولياتها».

وتتجه أنظار الشباب في لبنان إلى الدول الخليجية وطريقة تعاملها مع الفئات الشبابية، حيث تطلق مبادرات رسمية لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالإضافة إلى تأمين فرص الاقتراض بشروط ميسرة بهدف إطلاق الأعمال الحرة والمشاريع التجارية. 

السابق
هبة من الكتيبة الإسبانية لانشاء مستوصف دبين
التالي
إشكالات الواقع المأساوي للجنوبي