والفتنة الطائفيّة.. كرمى لعيون باسيل

بعد ثلاث سنوات متواصلة من تسلّم التيّار الوطني الحر الوزارات الأهم في الحكومات المتعاقبة يستعدّ التيّار للتظاهر ضدّ نفسه، أي ضدّ الحكومة التي يشكّل فيها وحلفاءَه الأكثريّة، تظاهر لا يمكن وضعه إلّا في خانة المنتج المصنّع على قياس المعادلة الدائمة: «أن يكون جبران في خطر فهذا يعني أنّ التيّار في خطر».

لم يستنفر التيّار نوّابه وكوادره حين تعرّض وزير العمل شربل نحّاس للتطويق من داخل وخارج، ولم يعتبر أنّ التيّار في خطر، ولكن اليوم الأمر اختلف، ونظراً لحقيقة الخطر تطلّب الأمر جهوزية تمثّلت بجمع النوّاب والكوادر وإطلاق حملة الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع. وتحت هذا العنوان بحث هؤلاء في كيفية الردّ، فجاء على شكل تهديد بالنزول الى الشارع، وهو ردّ ناتج بالطبع عن السلوك التقليدي للعماد عون وفريقه الذي يطرح عناوين كبرى، يعمد بعد أن يعجز عن تحقيقها الى التصعيد وإثارة غبار في أمكنة مختلفة لحرف الأنظار عن الفشل في تحقيق الأهداف.

في تفاصيل الفشل الذي واجه وزير الطاقة أسباب تقنيّة وسياسية وشخصيّة وانتخابية لا تُعدّ، ففي السياسة اصطدم باسيل في سعيه لتخصيص قطاع الجباية في الكهرباء بالرئيس نبيه برّي وآخرين، وهذا الاصطدام جاء بعد إصرار الآخرين على مقاسمة باسيل تلزيم هذا القطاع خصوصاً بما يتعلق بالجباية في الجنوب والضاحية، ولا يخفى أنّ شركات الجباية ستكون فرصة لباسيل والآخرين لتأمين المئات وربّما آلاف فرص التوظيف وكما في الضاحية أو الجنوب والبقاع والشمال وبيروت، كما في البترون، حيث وعد المئات بأنّ أمكنتهم محجوزة مسبقاً، وهو ما يأمل منه باسيل ترجيح الكفّة الانتخابية لصالحه في العام 2013.

على أنّ الأخطر من الأسباب التي أوصلت إلى الفشل الكهربائي، ستكون في النتائج التي يسعى اليها باسيل متمترساً بالتيّار الوطني، جرّاء هذه المواجهة، وهي نتائج تهدّد بإعادة تحريك الحساسيات الطائفيّة، التي لا يتورّع العماد عون وفريقه من اللجوء الى تحريكها كلّما وجدوا أنّها تؤمّن مصلحتهم السياسية.

ولقد لجأ باسيل في وقت سابق الى هذا الاسلوب وهو كرّره اليوم آملاً في إعادة إنتاج عصبية مسيحيّة، ربّما يهدف من ورائها الى تأمين حماية في زمن انتقالي متحوّل بعدما وجد أنّ تحالفاته الإقليميّة تتّجه للاصطدام بالحائط.

هذا الأسلوب بسيط جدّاً وسهل التطبيق، وهو يتلخّص بالتوجّه الى المسيحيّين بالقول: السُنّة في بيروت ينعمون بكهرباء لمدّة 21 ساعة يوميّا، لو وُزّعت بعدالة على بقيّة المناطق لخفَّ التقنين، وبذلك يكون قد ألّب المسيحيّين على أهل بيروت عبر استعمال حجّة منطقية ذلك، مع علمه بأنّ بيروت الإدارية، يسكنها مسيحيّون ومسلمون، وبأنّها مركز أساسي لمعظم المنشآت الحيوية من مدارس ومستشفيات وجامعات وغيرها.

وهذا المنطلق يتلخّص أيضا بالتوجّه الى المسيحيين بالقول: إنّ الشيعة في الضاحية وغيرها من المناطق لا يدفعون ثمن الكهرباء، وبالتالي أنتم الأحقّ بالإنارة، وفي هذا المنطق حقائق أكيدة لكن فيه اجتزاء لأن ليس كل من يسكن في الضاحية لا يدفع فواتير الكهرباء من جهة، ولأنّ هناك مناطق مسيحيّة كقضاء زغرتا على سبيل المثال تتفوّق من حيث الأرقام بالامتناع عن دفع فواتير الكهرباء.

إنّها إذاً خطة الاختباء بالعصبية الطائفية، عبر دعوة الذين يدفعون فواتير الكهرباء للتظاهر بوجه من لا يدفعون، وهي الخطة التي تعكس مزيجاً من الفشل والعجز عن الانتقال من التلميح الى التصريح في الحديث عن ملفّات خطيرة كملف مافيا المولدات، التي يستعيض باسيل عن الجرأة بالكشف عنها خوفاً من خسارة دعم حزب الله له، بإحياء عصبية طائفية، طالما لجأ العماد عون الى استعمالها في أوقات الحاجة كأنّ قدر التيار الوطني أو قدر المسيحيّين المتعاطفين مع عون أن يكونا دائما في خدمة الوزير الذي وكرمى لعيونه يتأخّر تشكيل الحكومة سبعة أشهر، فيما ينبئ اليوم هذا السلوك المتكرّر بأنّ أزمة ذات أبعاد طائفيّة تهون كرمى لهذه العيون.   

السابق
دول مجلس التعاون الخليجي يسحب مراقبيه..وواشنطن تؤكد ان الأطلسي لن يتدخل في سورية
التالي
الحياة: الجميل: العد العكسي لسقوط الأسد بدأ … منصور لجنبلاط: لسنا بحاجة إلى دروس