من يقول طردنا؟

كما هو معروف، مسائل الحدود والامن وضعت في جبهة حملة اقتحام المأزق في قناة المفاوضات مع الفلسطينيين. كل هذا كونها تعتبر سهلة على الحل – بالنسبة للخلاف على حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وشرقي القدس.
سياسيون من كل الاحزاب الصهيونية يرفضون الاعتراف بحق العودة للفلسطينيين. كما أنهم يرفضون بشدة المطلب الأكثر تواضعا من ذلك الذي يتقدم به الطرف الفلسطيني – الاعتراف بالمسؤولية الجزئية لاسرائيل عن النكبة الفلسطينية في 1948.
قانون النكبة جاء ليزيل هذه الوصمة عن الضمير الجماعي الاسرائيلي – اليهودي، فالسياسيون يفترضون كأمر مسلم به بأن الهرب من المسؤولية، حتى لو كانت جزئية، عن مصيبة الفلسطينيين مقبول من اغلبية المجتمع الاسرائيلي. واولئك الذين يبدون الاستعداد لتبني النهج النقدي، الذي يعتقد بأن قسما مهما من الفلسطينيين لم يهربوا من بيوتهم بل طردوا منها، يعتبرون في أفضل الاحوال «مؤرخين جدد» وفي اسوأ الاحوال – ما بعد صهاينة. بحث شامل أجراه د. رافي نيتس – تسانغوت من معهد ليونارد ديفيز في الجامعة العبرية يبين بأن مؤسسات مركزية في المجتمع الاسرائيلي، وليس فقط عناصر هامشية، تبنت النهج الانتقادي. فقد فحص نيتس – تسانغوت فوجد بأن هذا الميل سبق بسنوات عديدة ظاهرة المؤرخين الجدد. بحث رسالة الدكتوراة لنيتس تسانغوت يستند الى نحو مئة مقابلة واستعراض أكثر من ألف منشورة على مدى 56 سنة – لاربع مؤسسات اجتماعية مركزية: أسرة البحوث، قدامى معارك 1948، الصحافة والمنظمات غير الحكومية، والى ثلاث مؤسسات دولة: وزارة التربية والتعليم، الجيش الاسرائيلي ومركز الاعلام.
ويبين البحث بأنه منذ نهاية السبعينيات عرضت معظم مقالات الصحف والبحوث الاكاديمية في اسرائيل النهج الانتقادي.

منذ نهاية الثمانينيات وحتى اليوم يلعب هذا النهج دور النجم في نحو 100 في المئة من المقالات والبحوث. معطى مشابه وجد في نحو ثلث كتب قدامى معارك 1948. استعراض لكل كتب المذكرات «الصهيونية» لقدامى المعارك، والتي نشرت منذ 1949 وحتى 2004، أظهر بأن قسما مهام منها، بما فيها مذكرات موشيه كرمل، الذي كان قائد الجبهة الشمالية في 1948، مالت الى نزعة النقدية منذ نهاية الثمانينيات.
كما ان قائد لواء يفتاح، مولا كوهين، وقائد لواء غولاني في حرب الاستقلال، ناحوم غولان، اللذين عرضا في الفترة الاولى ما بعد قيام الدولة رواية صهيونية، استبدلاها في نهاية الثمانينيات بالرواية الانتقادية. تغيير مشابه طرأ ايضا على باحثين، مثل المؤرخ نتانئيل لورخ.
ويبين البحث الجديد بأن بحثا يهوديا انتقاديا ذا مغزى بالنسبة لمغادرة الفلسطينيين بدأ خارج اسرائيل في الخمسينيات – قبل ثلاثة عقود من ظهور المؤرخين الجدد، وتواصل في اسرائيل في نهاية السبعينيات. عمليا، التبني المبكر للرواية الانتقادية ساهم في نزع الحصانة عن وثائق أرشيفية استندت اليها ضمن امور اخرى كتب توم سيغف وبني موريس.

ويدحض البحث ايضا الزعم السائد بأنه حتى أواخر الثمانينيات كانت الصحافة الاسرائيلية – اليهودية مجندة تماما للرواية الصهيونية. وهو يظهر بأن الأغلبية الساحقة منها اعترفت منذ نهاية السبعينيات بأن اسرائيل طردت فلسطينيين في 1948. منشورات مؤسسات اجتماعية كشفت النقاب عن انه من الثمانينيات كان تناول غير قليل ايضا لطرد الفلسطينيين من بلداتهم في حرب الايام الستة.
ويفيد البحث بأنه بينما لم يغير الجيش الاسرائيلي ومركز الاعلام طريقة العرض الصهيونية حول اسباب المصيبة الفلسطينية، فانه في كل كتب التعليم في التاريخ التي أقرتها وزارة التعليم من عام 2000 (وعلى الأقل حتى 2004) استبدلت الرواية الصهيونية التي كانت مقبولة حتى ذلك الحين برواية انتقادية؛ هذا مكتشف أول من نوعه بالنسبة لتغيير الذاكرة الرسمية لاسرائيل في هذا الشأن. عمليا، هذا رفض للرواية الصهيونية التي بموجبها «لم يكن طرد في 1948».
استعداد مؤسسات المجتمع اليهودي في اسرائيل لتغيير موقفها من موضوع مركزي وحساس كالنكبة الفلسطينية يمكن ان ينسب في صالح المجتمع اليهودي ويعتبر شهادة نضوج لبعض من مؤسساته المركزية.
الأنباء الأقل طيبة توجد في استطلاع أظهر بأن نصف مواطني اسرائيل اليهود فقط مستعدون للانفصال عن الرواية الصهيونية في ان «الفلسطينيين هربوا». الاستطلاع، الذي أجراه باحثو جامعة تل ابيب في 2008 وجد ان أصحاب الذاكرة الانتقادية عن النكبة يميلون الى ان يروا الفلسطينيين في ضوء أكثر ايجابية والتشديد تجاههم على مشاعر سلبية أقل. كما أنهم يميلون الى تأييد اتفاقات السلام والتصويت لاحزاب اليسار / الوسط. لا غرو في ان اليمين معني جدا بشطب النكبة من الذاكرة. 

السابق
التاريخ يكرر نفسه
التالي
لماذا ليس الجزائر؟