دراما 25 يناير

تماما كما يحدث في المسلسلات المصرية المتعددة الأجزاء، يقترب الجزء الأول من نهايته، تظهر الأحداث وكأن عقدة الحكاية تقترب من الحل، وفجأة تعود للتعقيد مرّة أخرى، ويعود الأشرار أقوى من بداية المسلسل، ويعود الأخيار إلى مأزقهم الأزلي، وينتهي الجزء بأصعب لحظات الشدّة، مع إعلان من كلمات قليلة: انتظرونا في الجزء الثاني.

هذه هي حال الثورة المصرية بعد 365 يوما مرّت وكأنها لم تمرّ. فكل ما يقترن اسمه بالثورة حاليا، كان ألد أعدائها عندما بدأ الجزء الأول قبل عام، في 25 يناير 2011.
"برلمان الثورة"، هذا هو اسم مجلس الشعب الذي أقسم أعضاؤه اليمين كل بقسمه الخاص قبل يومين، علما بأن تركيبة البرلمان أبعد ما تكون عن الثورة التي يحمل اسمها، فالإسلاميون (إخوانا وسلفيين)، والذين حصدوا 356 مقعدا من أصل 498، كانوا من المناهضين لفكرة الثورة منذ بدايتها، حيث لاحق السلفيون تظاهرات يناير بالفتاوى التي تحرّم الخروج عن الحاكم، وإن كان ظالما، فيما يكتشف المراقب للأمر أن الإخوان المسلمين دخلوا ميدان التحرير، كلّما دخلوه، تحت جناح المجلس العسكري الحاكم، وخرجوا منه كلما خرجوا تحت الجناح نفسه.

وربما يمكن تفسير هذا الصعود لأعداء الثورة بالارتعاش الذي أصاب الخطاب العلماني في بدايتها. فقد ظل الخطاب العلماني طوال الوقت يحاول الاختباء داخل غلاف إسلامي، ويستخدم في ذلك مبدأ التقيّة الشهير، وبدلا من الإعلان بوضوح أن الإسلام لا يلزم إلا المسلمين، وأن المسلمين أنفسهم لم يتفقوا على أمر من أمور الدنيا، ولا الآخرة، بدءا من كيفية أداء الصلاة وليس نهاية بطبيعة الحكم، بدلا من هذا، ظلوا يبحثون عن تأسيس إسلامي لاستبعاد الإسلام، كأن تجد من يستشهد بأن عمر بن الخطاب عطل الحدود في عام الرمادة، لتبرير عدم إقامة الحدود اليوم، أو أنه أبطل نصا من القرآن (نص المؤلفة قلوبهم) لتبرير إبطال القرآن كله عن العمل.
 وبطبيعة الحال، فإن هذا الخطاب المرتعش يؤدي إلى نتيجة عكسية، فمهما كان الحديث مقنعا ومرتبا، فإنه لن يقود إلا إلى تكريس المفهوم الديني، وكل ما تفعله هنا هو أنك تضيف تأويلا جديدا للإسلام لا أكثر.
على أن هذا التأويل لا يمكن تمريره ولا استمراره، ففي النهاية، وبعد أن تكون قد أسست لـ"مرجعية" دينية ستصطدم ببحر من النصوص يستهلك مشروعك كله، ولا يؤدي في النهاية إلا إلى ما يؤدي إليه مد خط المادة الثانية والمرجعية الدينية، وهو أن الإسلام هو الحل. وهو ما ظهرت آثاره واضحة في نتيجة الانتخابات.
وبغض النظر عن السلطة التشريعية، فإن السلطة التنفيذية ليست أفضل حالا، حيث تحمل الحكومة الحالية لقب حكومة إنقاذ الثورة، وهي الحكومة التي يترأسها الدكتور كمال الجنزوري أحد رجالات مبارك، والذي تولى رئاسة الحكومة في عهد الرئيس المخلوع لمدة تقترب من أربعة أعوام، شهدت البلاد خلالها واحدة من أعنف أزماتها الاقتصادية.

ولم يقتصر الأمر على الأمور السياسية، فالشعر هو الآخر، تعرّض لما تعرض له مجلس الشعب، وفي حين صمت أغلب الشعراء المشاركين في الثورة، أو توقفوا عن الكتابة، انطلقت أصوات من كل صوب تحمل لقب شاعر الثورة أو قصيدة الثورة.
المفارقة هنا أن الشعراء الصامتين الذين فرضوا على أنفسهم التوقف الإجباري، للمشاركة في الحدث أولا، ثم استيعابه في ما بعد، هم أنفسهم الذين خاضوا ثورة أخرى قبل 25 يناير على مستوى الشعر نفسه، قبل أن يسيطر على المشهد صف من الشعراء الكلاسيكيين، يتقدمهم الشاعر هشام الخج، الذي ظهر في عدة برامج يهاجم الثورة، قبل أن يحصل على لقب "شاعر الثورة".
وهكذا فإن المتابع لأحوال ثورة 25 يناير 2011، سيجد أنه لم يبق منها سوى اسمها الذي يرتبط بتاريخ اليوم، مما يجعل الجزء الثاني منها حتميا لأبطالها، وهو ما يفسر الدعوات للنزول اليوم من أجل استعادة الثورة، تحت شعار "الثورة المصرية reloaded. 

السابق
كائنات حية في كوكب الزهرة
التالي
الحريري في بيروت في 14 شباط