بين الملل والرتابة وانتظار الموت.. هكذا يعيش المتقاعدون في بنت جبيل ومحيطها

على خلاف المتوقّع، يتخوّف معظم الموظفون الجنوبيون، في بنت جبيل ومرجعيون، من وصولهم الى سنّ التقاعد، أو "اليأس من الحياة"، كما يقول المتقاعد محمد بزّون (فرون)، الذي صدم بالفراغ المميت الذي وصل اليه، منذ اليوم الأول لاحالته على التقاعد قبل سنتين. " ليس عليك الاّ ان تنضم الى مجموعة العجزة المفلّسين، الذين يبحثون منذ الصباح الباكر، عن مقعد داخل ساحة البلدة، أو في أحد المنازل الضيّقة حيث يبدأ الحديث بالسياسة وينتهي باستغابة بعضنا لبعض".

يصف بزّون أيامه المتشابهة فيقول "بتّ أنهض باكراً لأدخّن سيجارة ثم أعود الى النوم، ثم الى المطبخ فغرفة الجلوس، حتى باتت زوجتي تتمنّى خروجي من المنزل، بعد أن بتّ أتدخّل في أعمالها المنزلية، فلا شيء ينتظرني خارج المنزل الاّ كزدورة العصر، حيث نحاول أنا وعدد من أبناء البلدة السير على الأقدام من شارع الى آخر، نتحدث قليلاً ثم نعود الى المنزل من جديد، أو نجلس قريباً من الشارع نراقب العابرين ونردّ عليهم السلام، وكأننا نراقب من يسلّم علينا منهم".

      
 يشكو أبو حسان (بليدا)، الذي رفض الافصاح عن اسمه، من "عدم وجود اهتمام بالمتقاعدين الذين خدموا الدولة والمجتمع كلّ أيام حياتهم، حتى باتوا عالة على المجتمع، وكانهم يستجدون الاهتمام والرأفة، بل وينتظرون الموت وهم في صحّة جيدة، فكثيراً من زملائنا وافتهم المنيّة بعد سنوات قليلة على تقاعدهم، وأعتقد أن ذلك بسبب الهمّ واليأس من الحياة". ويضيف على "كلّ موظّف أن يخطّط لعمل آخر بعد سنّ التقاعد، ليملأ به أوقات فراغه القاتلة، اذ لا يوجد في هذه الأماكن نواد أو مكاتب عامة، أو حتى جمعيات ثقافية أو ترفيهية، فالمتقاعد والعاطل عن العمل متشابهان في كل شيء، حتى بنظرة الآخرين اليه".

في بلدة بنت جبيل، يجتمع عدد من المتقاعدين، يومياً في "مركز المطالعة والتنشيط الثقافي"، وهو مركز تشرف على نشاطاته وزارة الثقافة، لكن معظم نشاطاته الثقافية مخصصة للشباب وطلاّب المدارس، فعلى احدى طاولاته الصغيرة يحمل عدد من الأساتذة المتقاعدين بعض الصحف اليومية، التي تؤمّن الى رواد المركز مجاناً من قبل المجلس البلدي، وتكون الأحداث السياسية هي محور النقاش في ساعات ما قبل الظهر. فيقول محمد سعد "نجد في هذا المكان فرصة لقضاء الوقت، وكأنه بات مكان عملنا الجديد، لا شيء هنا يمكن فعله غير قراءة الصحف، وبعض الكتب، واللقاء ببعض الصحبة، وهذا أهون الأمرّين، ففي بعض القرى لا يوجد مكان مشابه، فيكون على المتقاعدين الالتزام في منازلهم، أو الذهاب الى الحقل لزراعة بعض الخضار".

أما في بلدة عيترون، فقد عمدت بلديتها، في العام 2006، الى بناء ناد للمسنين في ساحة البلدة، هو عبارة عن صالة ومطبخ صغير وحمام، مجهّز بتلفاز وبرّاد للماء وعدد من الألعاب الخاصة بكبار السنّ. رواد النادي هم من المسنّين، الذين كانوا يجتمعون أصلاً في ساحة البلدة، يقول أبو ابراهيم منصور ( 85 سنة)، "لقد كنّا نجتمع في ساحة البلدة، كلّ يوم، لكنّ الأمر أصبح مختلف بعد أن كبرت البلدة وضاقت بها ساحاتها، وبدا تجمّعنا في الشارع العام أمر سيّء ولا يتناسب مع عمرنا". ويقول الحاج مراد مراد أنّ "الجميع هنا ملتزم بالمجيء الى النادي منذ الساعة الثامنة صباحاً، لكنّ المشكلة أن عددنا يتناقص، كلما توفيّ أحد منّا، ورغم ذلك فان بعض الشباب يحاولون قصد المكان ليستمعوا الى أحاديثنا الطويلة، التي في مجملها ذكريات من تاريخ البلدة ونمط الحياة السابق فيها". ويعتبر عبد الحسن السيد حسن ( 78 عاماً) أن "النادي حمانا من زهق وبرد الشتاء، فقد كنّا نضطرّ أحياناً الى الجلوس على الطرقات، هرباً من المنزل، وهذا أمر صعب بسبب البرد والمطر الشديد، وكان البعض يلومنا أيضاً لجلوسنا على الطرقات لأن النسوة تمرّ من هناك، وهذا أمر معيب لنا". وعند آذان الظهر يتأهب الجميع لترك النادي لاقامة الصلاة في المسجد، ومن ثم تناول طعام الغداء في المنزل، ومن ثمّ العودة الى النادي من جديد قرابة الساعة الثالثة عصراً الى أن يحلّ موعد آذان المغرب. 

السابق
أبو جمرة: عون فقد مصداقيته وعبثا يحاول التهويل
التالي
سامي الجميل: تعاطي باسيل بموضوع الكهرباء معيب وضد من يريدون ان يتظاهروا