الربيع السعودي.. الآتي

يوحي إعلان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل سحب السعودية لمراقبيها من البعثة العربية العاملة في سورية، في أعقاب نشر تقرير بعثة المراقبين العرب واجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، بأن السعودية لم تعد قادرة على التلطّي وراء الموقف القطري السافر العداء تجاه سورية منذ أشهر طويلة.
وفي الواقع، يمكن تشبيه الموقف القطري بالشجرة التي كانت تحجب الغابة السعودية. فالدولة القزم ـ أي قطر ـ لم تكن لتطلق نعيق الغربان فوق السطوح السورية من دون الدعم المعلن والسريّ لشركائها الآخرين في مجلس التعاون الخليجي، والسعودية في طليعتهم.

لقد كشف سعود الفيصل عن نوايا آل سعود بن عبد العزيز، أو بعضهم على الأقل، إذا سلّمنا جدلاً بأن العائلة المالكة منقسمة حقاً في الموقف من الأزمة السورية.
وعوداً على بدء، لماذا يطالب سعود الفيصل الآن بتحويل الملف السوري الى مجلس الأمن ويطالب بتدخل دولي مباشر في سورية؟
إذا كانت السعودية خائفة من تمدّد "الربيع العربي" الى داخل حدودها، فلن يحميها من تداعياته مناصبتها العداء لسورية والتآمر عليها في السرّ والعلن. ولن يحميها إسقاط النظام السوري من النيران المشتعلة من حولها، والمشتعلة داخلها.
وليس لعائلة آل سعود ـ صاحبة الدولة الوحيدة اليوم في العالم التي سمّيت على اسم عائلة ـ أن تتحدث باسم الحرية والديموقراطية، عندما تكون دولتها، أي مملكة السعوديين، قامت على تحالف تاريخي بين آل سعود والحركة الوهابية التكفيرية التي أسّسها محمد بن عبد الوهاب، بضمانات أميركية لا تزال مفاعيلها مستمرة… حتى إشعار آخر. هذه الدولة التي تمنع على النساء قيادة السيارات، وتمنع عليهنّ التجوّل والسفر من دون محرم وغير ذلك من التحريمات، حين تتحدث عن الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان يصحّ فيها القول الشائع: "أسمع كلامك يعجبني، أشوف عمايلك أتعجّب".
وبالعودة الى الوقائع الراهنة، تتوّقع مراجع أكاديمية فرنسية ملمّة بقضايا الشرق الأوسط وقريبة من دوائر الحكم الفرنسية، أن تكون السعودية هي البلد المرشّح ليكون المحطة المقبلة في الحراك المتنقّل للشارع العربي. وترى هذه المراجع أنه بغضّ النظر عن الحوادث السورية، تبقى السعودية مرشّحة "بقوة" لمواجهة الشارع "السعودي" الغاضب في القطيف شرقاً، وبلاد الحجاز غرباً، والمناطق الجنوبية المأهولة المتنازع عليها تاريخيا مع اليمن. ويأتي رحيل علي عبد الله صالح الى الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن فوّض صلاحياته الرئاسية الى نائبه، ليزيد الوضع الداخلي السعودي تعقيداً، وليرفع من منسوب التوتر بين الشارع والنظام.

ثم إنّ الضربة العسكرية السريعة التي وجّهتها القوات السعودية للحراك الشعبي في البحرين قبل سنة لتمكين النظام البحريني من التقاط أنفاسه، بدأت تعطي مفعولاً عكسياً. فالتدخل العسكري السعودي في البحرين لم يكن انتصاراً للديموقراطية والحرية بل لخنق المطالب الشعبية في المساواة الاجتماعية والسياسية.
ويُجمع الإعلام في الشرق والغرب على أنّ التدخل، او بالأحرى التورط العسكري السعودي في البحرين لم يوقف الاحتجاجات الشعبية، وأن السحر قد ينقلب على الساحر، فيتحول الحراك الشعبي البحريني الى الشرارة التي ستشعل الخليج العربي برمّته.
ويزداد القلق السعودي حيث لا يبدو الوضع جيّداً هذه الأيام في صفوف عائلة آل سعود، إذ تفيد آخر المعلومات أنّ بوادر الانشقاق والخلاف بدأت تظهر بين "الورثة" بعد استقالة الأمير طلال بن عبد العزيز من هيئة البيعة. وهي استقالة تعني ما تعنيه من صراعات سياسية وقبلية ومالية بدأت تطفو على السطح.
إنّ مظاهر التمرد الشعبي في منطقة القطيف وجوارها قد تكون نذيراً لتحرك شعبي أوسع. غير أنّ الصراع العائلي المتفاقم قد يطلق شرارة "الفوضى الخلاّقة" هذه المرة من داخل "القصر" الى الشارع.  

السابق
ازيلت فجأة !!
التالي
الانتخابات النيابية