إلى جو الياس حبيقة

لا بدّ، بعد عشر سنوات على استشهاد الياس حبيقة، من التوجّه إلى نجله بمجموعة من الأسئلة والتساؤلات، هنا أبرزها:

أولاً، هل يعتقد فعلاً أنّ إسرائيل هي التي اغتالت والده بهدف "شطبه من المعادلة قبل الإدلاء بشهادته في قضية صبرا وشاتيلا في بروكسل نظرا لخشيتها من أن "تزلزل" هذه الشهادة كيانها؟ وألا يعتقد أنّ المفاعيل السياسية لهذا الملف طويت في تل أبيب قبل تاريخ اغتيال والده بوقت كبير؟ وهل ما كان يملكه يشكّل فعلا عنصرا جديدا؟ وهل يعقل اختفاء الأدلة مع موته، هذه الأدلة التي يفترض أن تكون كناية عن وثائق وصور وتسجيلات وإفادات ومراجع…، أم أنّ المقصود مجرّد إخبار أو إفادة شفهية لا تقدّم ولا تؤخّر أمام المحافل الدولية؟ وهل فتح هذا الملف كان هدفاً بذاته أو لمجرّد الإثارة الإعلامية-السياسية تحويرا للأنظار عن تموضع سياسي جديد أو شيء آخر؟ وماذا عن تموضع والده السياسي بعد انتخابات العام 2000 وعودته إلى الخطاب المسيحي ومحاولته إعادة تجميع رفاقه السابقين؟

ثانياً، هل حاول البحث عن مسرح آخر للجريمة غير إسرائيل؟ ومن المستفيد من اغتياله؟ وهل ثمّة من اختار اللحظة السياسية المتصلة بصبرا وشاتيلا لربط هذا الاغتيال بإسرائيل بهدف تضليل التحقيق سواء من حيث الأدلة أو الظروف المواكبة لعملية الاغتيال؟ وهل ربط بين شطبه سياسيا عبر إسقاطه في انتخابات العام 2000 ومن ثم شطبه جسدياً؟ ولم يسأل نفسه لماذا رفض "حزب الله" أن يكون معه الـ ".H.K" على لائحة واحدة رافضاً حتى أن يتصوّر معه (وهذا الكلام لا يعني اتهام الحزب، إنّما إعادة استرجاع بعض المحطات السياسية)؟ ولماذا تخلّت عنه دمشق وبطلب ممّن؟ وهل كانت ضمانة "الحبيقة" مع الأسد الأب لا الأسد الابن الذي تخلّى عنه سياسياً، الأمر الذي أفسح في المجال أمام اغتياله؟ وما الرابط بين اغتياله وكتاب "كوبرا" الذي حاول ضرب صورته وتشويهها، هذا الكتاب الذي يروي قصّة الدبلوماسيين الأربعة الذين تمّت تصفيتهم ودفنهم قرب "البيت الأبيض" (جهاز الأمن) ومن ثم نقل رفاتهم إلى "وادي الجماجم"؟

ثالثاً، ألم يسأل نفسه عن الأسباب الكامنة وراء إزالة أثار الجريمة مباشرة بعد الاغتيال؟ وألم يذكّره هذا المشهد بإزالة أثار الجريمة بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟ وألم يتنبّه إلى أنّ تقنية التفجير التي استهدفت والده هي نفسها التي استهدفت شهداء ثورة الأرز وتحديداً الشهيد جبران تويني؟

رابعاً، ألا يستحقّ اغتيال إيلي حبيقة من نجله، وهذا الكلام ليس للمزايدة، البحث الجدّي عن مسرح الجريمة الحقيقي؟ وألا يستحق اغتياله إجراء نوع من مراجعة سياسية للخط السياسي الذي كان ينتهجه والده؟ وهل يعتقد أنّ الشهيد حبيقة، لو بقي على قيد الحياة، كان سيتمسّك بخياراته بعد خروج الجيش السوري في العام 2005؟ وهل برفعه شعار "الجيش والشعب والمقاومة" يريح ضميره حيال والده؟ وألا تستحقّ التطوّرات من ثورة الأرز إلى الربيع العربي وقفة تأمّل يعيد عبرها "جو" قراءة الأوضاع وتقييمها والبناء على أساسها؟ وهل استمراره في هذا الخط يخدم ذكرى والده؟ وهل سيستطيع بخطابه وأدبيّاته أن "يخرق" داخل البيئة المسيحية وحتى المناطقية، خصوصا أنّ التجربة تؤشر إلى غير ذلك؟ وهل القوى والأطراف التي يفترض أن تكون حليفة له وتجاهلته في استحقاقي 2005 و2009 عندما كانت بأوج وضعها ستعيد الربط معه وهي في وضع مأزوم نتيجة خياراته الإقليمية؟

خامساً، ألا يعتقد أنّ مصلحة المسيحيين هي في قيام الدولة في لبنان وليس بالتنازل عن السيادة مقابل حماية مشبوهة من السوريين أو من سلاح غير شرعي؟ وألا يعتبر أنّ ثورة الأرز أسقطت للمرة التالية على التوالي "الاتفاق الثلاثي" الذي سيسقط بالضربة القاضية مع سقوط النظام السوري؟ وألا يعتبر أنّ التجربة العونية التي نجحت حيث فشلت التجربة الحبيقية آيلة إلى السقوط الحتمي مع سقوط الخيار الذي انتهجته واعتمدته بتوقيع "وثيقة" والذهاب إلى تحالف الأقليات نحو "براد" و"قصر المهاجرين"؟

التاريخ وحده يحكم على تجربة الـ ".H.K"، هذه التجربة التي طوتها الأحداث والذاكرة التي تصالحت مع الماضي وتتطلع إلى المستقبل… إنّما يبقى "إيلي" من فئة الناس التي "وقفت ولو لمرّة على قبر شهيد"، وهذا ما لا يمكن إغفاله أو تجاهله…. رحمه الله…  

السابق
الحريري في بيروت في 14 شباط
التالي
أبو مازن لرئيس تشوفاشيا: نريد السلام وسأترك عندكم المبادرة العربية