من سورية الى لبنان: أفول الحل الامني؟

يتيح النظام السوري لأطراف دولية وعربية تحديدا فرص الاستعراض السياسي عبر اظهار التضامن مع الشعب السوري وانتفاضته الشعبية. هذا ما يمكن ان يظهره الموقف السعودي الاخير في الجامعة العربية، الذي، ورغم كونه موقفا استلحاقيا، إلا أنّه نجّح وزير الخارجية سعود الفيصل في خطف الاضواء من نظيره القطري حمد بن جاسم، واستدرك بخطوة سحب المراقبين السعوديين من بين المراقبين العرب في سورية، في موقف متقدم فاجأ الكثيرين من المراقبين.
يقدم النظام السوري ايضا لهذه الاطراف لعبة الوقت، التي طالما كانت حرفته ومثار حنق خصومه التي طالما استنزفت حساباتهم ، لتتحول هذه المرة الى لعبة استنزاف بطيء ومتماد للنظام نفسه، لعبة في يد تلك الدول التي تعمل على ترتيب ما تستطيع من المسرح السوري تحضيرا لما بعد النظام الحالي، على اسس أولها توثيق الربط السياسي والمعنوي مع الفئات الفعلية المطالبة بقوة بتغيير النظام او اصلاحه.

نجح النظام السوري الذي طالما تباهى بثقافة عروبية و بعلمانيته، وبثقافة الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة، الى تحويل هذه المفاهيم في وعي فئات واسعة من السوريين الى مصطلحات فارغة من مضمونها، بعدما اظهرت سياساته وسلوكه ان ليس لديه معادلا عمليا لهذه المفاهيم، سوى نماذج حكم الاستبداد والحكم الامني، والغاء الحياة السياسية، والاطاحة بالحريات العامة. فباسم العروبة وباسم الممانعة وباسم الصمود انتهكت حرمات، وسيق احرار الى السجون، وقتل عروبيون باسم العروبة، وفلسطينيون باسم فلسطين وسوريون باسم سورية ورغم هذه الأثمان بقي الجولان في الأسر…

تفوق النظام في تشغيل المجموعات الامنية والارهابية لحسابه في اكثر من دولة، وكان العراق مسرحا يظهر كفاءة النظام على هذا الصعيد، واستخدم هذه المجموعات في شتى الاتجاهات لكنها دائما كانت رصيدا يجري صرفه في سبيل علاقة ودية مع الادارة الاميركية وعبر باب الاجهزة الاستخبارية. فهل يحق للنظام السوري اليوم (لو صحت مقولة ان ما يجري هو مشكلة امنية كما قال وزير الخارجية السوري امس) ان يتهم سواه باعتماد اسلوب روج له وبرع فيه لسنين طويلة ان لم يكن لعقود.
وحقق النظام السوري، بتكراره واستحضاره المستمر لمقولة الحل الامني، الرقم القياسي، فهو ليس خبرا جديدا في سورية. فالحل الامني نظام راسخ ومتأصل في تفكير النظام وفي بنيته ومساره، والثورة السورية المستمرة منذ اكثر من عشرة شهور ما هي الا ثورة طبيعية على هذا الحل الذي عطل السياسة لعقود، وما نظام الطوارىء الذي استمر لنحو خمسة عقود الا علامة مميزة في تاريخه، احدى دلالاتها الصارخة تكبيل الاجتماع السياسي السوري، وسجنه في اسر شعارات فقدت بريقها وتهاوت بفعل الادمان على هذا الحل وهو المعادل الطبيعي لخيار التسلط والاستبداد.

ازاء هذه "النجاحات" و"التفوق" و"البراعة" و"الانجازات"، ثمة حاجة لترويجها، واذا كان الترويج الداخلي لم يؤد الى نتائج ايجابية يمكن ان يطمئن لها النظام، فإنّ حلفاءه واصدقاءه باتوا منخرطين في التفكير بخيارات بديلة، لأن احدا من هذه الدول والجهات المتناقصة يوما بعد يوم ليس راغبا في ان يدفع كلفة تشبث النظام وعجزه عن مغادرة فلسفة الحل الامني. اذ لم يجد مفتي سورية الشيخ احمد حسون قبل يومين سوى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كأخ له والرئيس بشار الاسد ليوجه له التحية، ربما هي رسالة ود تنطوي على استشعار بان حلفاء النظام السوري بدأوا يعيدون حساباتهم، واذا قرّنا هذا الاستنتاج بعودة السيد نصر الله عن موقفه تخوين المجلس الوطني السوري، يمكن القول ان تغييرا فعليا تشهده سورية دفع احد اهم حلفاء النظام السوري، اي حزب الله، الى سياسة الاستدراك التي قد يكون احد ابرز مؤشراتها في المرحلة القريبة انفتاح استثنائي غير بعيد لحزب الله على خصومه، وعلى رأسهم القوات اللبنانية…والاهم … قراءة لنهاية صادمة وافول فلسفة اسمها "الحل الامني" لادارة المجتمعات والدول…

 

السابق
لقاء تضامني حاشد مع الشيخ حسن مشيمش في نقابة الصحافة
التالي
الشرق الأوسط: الخليج على خطى السعودية.. والمعلم: الشعب يريد الحل الأمني