الموقف الروسي من الثورة السورية

اشتكى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من" ان الدول الغربية تخطط سراً, وربما تسلح المعارضين السوريين لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد. فقال: "شركاؤنا في الغرب يناقشون امكانية فرض منطقة حظر الطيران(…) لا أحد يستطيع أن ينكر أن بعض القوى تعمل على تهريب الاسلحة الى المتطرفين في سورية الذين يحاولون استغلال حركة الاحتجاج لتحقيق أهداف اغتصاب السلطة".

كنا نتمنى على الروس ان يتعاملوا مع شعبنا السوري, على أنه شعب يستحق الحرية والحياة الكريمة, النخبة السياسية الروسية الحاكمة اليوم, هل كان لها أن تحكم وتعبر عن آراكها بحرية فيما لو بقيت روسيا تحت سيطرة حكم الحزب الواحد, والديكتاتورية الشمولية؟

الشعب السوري تفاجأ بهذا التعنت الروسي في دعم نظام مجرم بكل الاعراف والمقاييس حتى الروسية منها, هل تنص القوانين الروسية, على أن من حق عائلة ديكتاتورية أن تبقى تحكم شعبا بالحديد والنار? بالتاكيد لا؟ هل تنص الثقافة السياسية والحقوقية الانسانية السائدة في روسيا على ذلك? الجواب بالقطع لا…إذا لماذا موقف النخبة السياسية الروسية الحاكمة بزعامة الثنائي بوتين- مديفيديف هي ضد طموحات الشعب السوري بأن يعيش كبقية شعوب العالم في ظل نظام ديمقراطي؟هل يعقل أن النخبة الروسية هذه لا تقيم وزنا لحرية الشعوب؟ لن نقارن الموقف الروسي بأي موقف آخر غربي أو إقليمي من الثورة السورية, لكننا نود مناقشة هذا الموقف انطلاقا من خطابه ذاته. حرصت النخبة الروسية الحاكمة منذ انطلاق الثورة السورية في 18 مارس عام 2011 وخروج جماهير درعا في التظاهر, والقمع الدموي الذي تعرضت له, حرصت هذه النخب على أن تسقط من حساباتها كليا مفهوم الشعب السوري, لا أظن أن الثلاثي الفاعل في السياسة الخارجية الروسية, واقصد بوتين ومديفيديف ولافروف لا يعرفون طبيعة نظام الحكم العصاباتي الموجود في سورية, ولا أعتقد أنهم لا يعرفون استغلال هذا النظام لكل ما من شأنه توتير الاجواء في المنطقة عموما, وأظن انهم يعرفون أن هذا النظام يستخدم ورقة الطائفية والحرب الاهلية فقط لبقاء هذه العائلة- العصابة تقتل وتنهب..ونريد أن نسأل هذه النخب المدافعة عن هذه العصابة: أين ذهبت مساعدات الشعب الروسي لهذا النظام على مدار العقود الاربعة الماضية؟ لجيب من؟ وكيف استخدمت؟ هناك الآن في سورية أكثر من 5000 شهيد من المتظاهرين المدنيين, إضافة إلى عشرات الالاف من المعتقلين.. وهناك مدن محاصرة ومنكوبة منذ بدء الثورة فيها كدرعا وحمص وأدلب ودير الزور..ماذا فعلت النخبة السياسية الروسية الحاكمة من أجل أن توقف حليفها عن القتل واستباحة المدن والناس والاعراض؟ أن تقف مع العصابة لا يعني أن تتوقف عن الحديث عن أن هناك ثورة في سورية..وهناك جرائم ضد الانسانية ووفقا لكل الشرائع الدينية والدنيوية ارتكبتها العصابة الحاكمة, لماذا النخبة الروسية تصر في كل مواقفها وخطاباتها على تجاهل ذلك? أليس لتجد لنفسها مبررا أخلاقيا لموقفها اللاانساني؟

ولماذا هذه النخبة الروسية ترفض إدانة جرائم النظام منذ بدء الثورة, حيث بقيت الثورة سلمية لاشهر قبل أن يتشكل الجيش السوري الحر, من الضباط والعناصر التي رفضت اطلاق النار على المتظاهرين السلميين, علما أن هذا الجيش لم يقم لوحده بمهاجمة جيش الأسد, بل كل الاشتباكات التي حدثت تمت بناء على محاولات الشبيحة والأمن وجيش الأسد اجتياح المدن, وبالتالي تصدى لهم عناصر الجيش الحر؟ مع ذلك نلاحظ ان النخبة الروسية تجاهلت مطالب الناس كليا وتجاهلت دماء تسيل يوميا على الارض السورية, والاهم من كل هذا وذاك, هذه النخبة أغفلت السبب كليا في وصول سورية إلى ما وصلت إليه, وهو وجود عصابة عائلية حاكمة وفاسدة ماليا وأخلاقيا ولا يهمها من سورية سوى استمرار نهبها لخيرات هذا البلد, واصبحت تتحدث عن أن هناك مؤامرة غربية كما هو تصريح سيرغي لافروف أعلاه, لا اعتقد أن السيد لافروف مقتنع بما يقول, وكذا الحال لا أعتقد ان الثنائي الحاكم في روسيا مقتنع أيضا بذلك..لكن المصالح تقتضي ذلك, وهذه ليست مصالح روسيا والشعب الروسي, لأنها تسجل بتاريخ هذا الشعب العظيم انه ساند عصابات عائلية قاتلة وفاسدة منذ القذافي وحتى الأسد, مع ذلك سنتحدث بلغة المصالح, هل هذا الموقف الروسي يشكل مصلحة للشعب الروسي أم أنه يشكل مصلحة للنخب الحاكمة؟

لم نلمس كمعارضة سورية أن لروسيا ولمصالح الشعب الروسي طلبات من سورية عبر هذه النخبة, بعد الأسد لكي نناقشها, هم لايريدون حتى اللحظة سوى استمرار نظام فاقدا اي شرعية قانونية وحقوقية وإنسانية..ما مصلحة الشعب الروسي في ذلك؟
يتحدثون عن تجارة أسلحة مربحة مع هذه العصابة, ويتحدثون عن مليار ونصف المليار دولار كارباح روسية من هذه التجارة, هل يمكن لنا ان نصدق أن شعباً عريقاً كالشعب الروسي يمكن أن يتخذ هذا الموقف من أجل هذا المبلغ؟
ثم يتحدثون عن ميناء طرطوس والموقع الجيوبوليتيكي لسورية كحليف وحيد لروسيا في الشرق الأوسط, وهنا نسأل هل هذا الحلف مبني على استمرار نظام فاسد وقاتل؟ لو كان ما يقولونه صحيحا لكانت النخبة السياسية الحاكمة في روسيا قد أبلغت المعارضة الديمقراطية السورية برؤيتها, ولكانت أرسلت رسائل اخرى للشعب السوري المنتفض, غير الوقوف مع القتل.

يقال" أن هناك رشاوى تقدمها العصابة الأسدية الحاكمة من اموال الشعب السوري للنخبة الروسية الحاكمة من خلف ظهر الشعب الروسي…هذه ربما تكون إشاعة, لكنها تشكل قناعة تامة لدى غالبية الشعب السوري, أن هذا الموقف الروسي لاعلاقة له بمصالح الشعبين الروسي والسوري وإنما هو نتاج ما تقدمه العصابة الأسدية التي نهبت البلاد من رشاوى للثنائي الحاكم في روسيا, هذه القناعة لم تبددها أبدا مواقف هذه النخبة بل تزيدها انتشارا وقناعة لدى الشعب السوري بان هذا هو السبب الحقيقي للثنائي الروسي الحاكم وراء استمرار دعمه لهذه العصابة الأسدية..لأن هذا النظام بالنسبة الى الشعب السوري هو ساقط, وما هو موجود الآن عصابة مطلوبة للقضاء وفارة من وجه العدالة رغم ما تتمتع به هذه العصابة الأسدية من حماية عسكرية وجيش ونخب روسية حاكمة.
واختم للسيد لافروف, الشهيد الطفل حمزة الخطيب وأطفال درعا الذين اقتلعت أظافرهم قبل الثورة لمجرد كتابتهم على جدران مدرستهم لم يكونوا مسلحين ولا كانوا من عملاء الغرب…الخجل ينفع أحيانا. 

السابق
الحياة: جنبلاط: المبادرة العربيّة وصلت إلى أفق مسدود ولا يمكن وضع الظالم والمظلوم في الموقع ذاته
التالي
اللواء: سليمان طالب أبادي بنقل رفض لبنان التدخّل بشؤونه إلى نجاد ويدعم موقف العريضي من مطار القليعات