السفير: جلسة تاريخية للبرلمان المصري: مقاعد التشريع بأيدي الإسلاميين

خطت الثورة المصرية خطوة جديدة على طريق التحول السياسي من نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى نظام جديد، بانعقاد أولى جلسات مجلس الشعب المنتخب، الذي نقلت إليه، ابتداءً من مساء يوم أمس، السلطتان التشريعية والرقابية، اللتان ظلتا حكراً على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يحكم البلاد منذ الحادي عشر من شباط الماضي. وفي جلسة، اتسمت بحضور طاغ للإسلاميين، الذين اكتسحوا 70 في المئة من المقاعد البرلمانية، وبمشاكسات «شرعية» من قبل النواب السلفيين، انتخب النواب الجدد القيادي في جماعة «الإخوان المسلمين» سعد الكتاتني رئيساً لمجلس الشعب، في تحول تاريخي ما زالت ملامحه غير واضحة، لكنه يأتي في لحظة مفصلية حساسة في تحولات المنطقة العربية، ويفترض ان تكون له تداعيات، لا على الصعيد الداخلي وحده، وانما على الصعيد الاقليمي الاوسع.
وجاء ذلك فيما تتجه الأنظار مجدداً إلى ميدان التحرير يوم غد حيث يتوقع أن يحيي شباب الثورة الذكرى الأولى لانطلاقتها بتظاهرات حاشدة لمطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة فوراً، متوعدين بـ«جمعة غضب ثانية» في حال لم يستجب الجنرالات لمطالبهم.
وانعقدت، صباح أمس، الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب المصري (البرلمان) بحضور 508 أعضاء، 235 عضواً عن «حزب الحرية والعدالة» التابع لـ«الإخوان» (47%)، و125 عضواً عن «حزب النور» السلفي (25%)، و38 عضواً عن «حزب الوفد» (7.5%)، و34 عضواً من «الكتلة المصرية»، التي تضم «حزب المصريين الأحرار» و«حزب التجمع» و«الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي» (7%)، و10 أعضاء عن «حزب الوسط» الإسلامي (2%)، وآخرين من تحالف الثورة مستمرة، و«حزب الإصلاح والتنمية»، و«حزب العدل» وغيرها من القوى، فضلاً عن عشرة نواب معينين من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية.
واستهلت الجلسة، التي ترأسها النائب محمود عز العرب السقا، باعتباره العضو الأكبر سناً في المجلس، بوقوف النواب دقيقة صمت على أرواح شهداء ثورة 25 يناير. وقال السقا في كلمة مقتضبة إن شهداء الثورة «سطّروا بدمائهم الزكية شهادة ميلاد جديد لحرية وكرامة كل المصريين»، موجهاً «كل الشكر والتقدير والرعاية والإجلال لمصابي الثورة الذين خاطروا بأنفسهم من أجل إعزاز وكرامة مصر».
وسرعان ما شهدت الجلسة جدلا عندما بدأت مراسم أداء اليمين الدستورية، حيث أضاف النائب عن «حزب النور» السلفي ممدوح إسماعيل عبارة «في ما لا يخالف شرع الله» إلى اليمين الدستورية الذي يقول «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على سلامة الوطن والنظام الجمهوري وأن أرعى مصالح الشعب وأن أحترم الدستور والقانون».
ورفض السقا هذه الإضافة، داعياً النائب السلفي إلى الالتزام بالنص الدستوري، ومشدداً على أن أي إضافة إليه «ستكون غير قانونية وغير دستورية».  ولم يمتثل إسماعيل في البداية لهذا الطلب، معترضاً بأن السقا لم «يلتزم عندما قدم العشرة المعينين (من جانب المجلس العسكري)، بوصفهم العشرة المبشرين». وبعد جدل صاخب، طلب السقا من إسماعيل أن يتلو القسم الدستوري، فاستجاب، لكنه قال في ختامه «هذا هو النص… وتعقيبي: في ما لا يخالف شرع الله».
وبعد إسماعيل، كرت سبحة النواب السلفيين الذين أضافوا هذه العبارة إلى اليمين الدستورية، وهو ما دفع برئيس الجلسة إلى التأكيد مجدداً على أن العبارات المضافة والتعقيبات المنفصلة ستحذف من المحضر.
وبدّل نواب سلفيون آخرون قسم اليمين بطريقة أخرى، إذ بدأوا بالبسملة والحمدلة، ومن ثم عبارة «بما لا يخالف شرع الله»، قبل أن يتلوا النص الأصلي، فيما تلا نائب إسلامي خطأ القسم – بنسخته السلفية – قائلاً «… وأن احترم الدستور والقانون بما يخالف شرع الله»!
أما النائب زياد العليمي، من ائتلاف شباب الثورة، فاستهل قسم اليمين بعبارة «أقسم بالله العظيم أن استكمل ثورة 25 يناير.. وأن أكون وفياً لدماء شهدائها»، ثم تلا النص الدستوري للقسم.
وأثار أحد أعضاء مجلس الشعب جدوى قسم اليمين الدستورية في ظل عدم وضع دستور جديد للبلاد. وأوضح «نقول: أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على سلامة الوطن والنظام الجمهوري.. حتى الآن لم يتضح لنا ما سيقرره الدستور، إن كان جمهوريا أو برلمانيا أو مختلطا»، لكن الرئيس المؤقت للمجلس قاطعه، قائلاً إنه بحسب اللائحة الداخلية للمجلس لا يجوز للعضو أن يناقش أي قضية قبل أداء قسم اليمين.
وشهدت الجلسة حالة أخرى من الفوضى عندما فتح باب الترشح لرئاسة مجلس الشعب. فقد أصر نائب رئيس «حزب الوسط» الإسلامي عصام سلطان على ضرورة أن يعطي رئيس المجلس الحق لكل مرشح للحديث عن نفسه أمام أعضاء البرلمان. وفيما رفض السقا هذا الطلب تعالت الأصوات، وترك عدد من النواب مقاعدهم في اتجاه المنصة الرئيسية، إلى أن قضت تسوية بإعطاء النائب المرشح للمنصب دقيقة واحدة للتعريف عن نفسه.
الكتاتني
وبدأت إثر ذلك إجراءات اختيار رئيس المجلس بين محمد سعد الكتاتني («حزب الحرية والعدالة»)، ويوسف البدري (مستقل)، وعصام سلطان («حزب الوسط»)، فيما سحب النائب مجدي صبري («الكتلة المصرية») ترشحه لصالح عصام سلطان.
وأعلن السقا تشكيل لجنة انتخابات رئيس مجلس الشعب برئاسة المستشار محمود الخضيري، وعضوية طلعت مرزوق («النور»)، وطارق سباق («الوفد»)، وعصام العريان («الحرية والعدالة»)، ومحمد عبد المنعم الصاوي («الحضارة»)، ومحمد محمود علي حسن («الحرية»)، والنائب المستقل عمرو حمزاوي.
وأسفرت الانتخابات عن فوز الأمين العام لـ«حزب الحرية والعدالة» سعد الكتاتني برئاسة مجلس الشعب، بحصوله على 399 صوتاً، في مقابل 87 لعصام سلطان.
وفي كلمة ألقاها بعد إعلان النتيجة، قال الكتاتني «نعلن للشعب المصري وللعالم أجمع أن ثورتنا مستمرة ولن يهدأ لنا بال ولن تقر أعيننا حتى تستكمل الثورة كل أهدافها فنقتص للشهداء بمحاكمات عادلة وفعالة وسريعة، ونعيد بناء مصر الجديدة، مصر الدولة الوطنية الدستورية الديموقراطية الحديثة».
وتعهد الكتاتني بأن تلتزم رئاسة مجلس الشعب بـ«الحياد والنزاهة»، وأن «تزن الأمور بميزان العدالة»، وأن «تكفل لكل نائب حقه الدستوري وحريته الكاملة في كل ما يبديه من الآراء والأفكار تحت هذه القبة».
وتوجه الكتاتني بالشكر للقوات المسلحة المصرية والمجلس العسكري «الذي أنجز وعده بأنه سيجري انتخابات يشهد بها العالم»، كما توجه بالشكر للجنة العليا للانتخابات والقضاء المصري.
ورأى أن «هذه المرحلة الدقيقة التي تشكل فيها مجلسكم الموقر (مجلس الشعب) تجعله مجلسا فريدا في مهامه وتبعاته ومسؤولياته، وتحتم علينا أن نمد جسور التعاون المخلص مع كل القوى الوطنية… لإنعاش الاقتصاد المصري والسيطرة على عجز الموازنة والتعاون من أجل استعادة ثقة المواطن في مؤسسات الدولة».
طنطاوي
وعقب انتهاء جلسة مجلس الشعب، أعلن رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي تسليم السلطة التشريعية والرقابية لمجلس الشعب المنتخب. وقال في رسالة وجهها إلى الكتاتني «لقد تعهد المجلس العسكري بأن يسلم السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة، وها نحن نعلن تسليم سلطة التشريع والرقابة لكم… أتقدم إليكم باسمي وباسم أعضاء المجلس الأعلى بأخلص التهاني على الثقة الغالية التي أولاها لكم الشعب المصري العظيم في أول انتخابات تجري بعد الثورة المجيدة، الشعب يثق بكم ويعلق عليكم آمالا كبارا، والجيش سيظل على عهدكم به سندا لهذا الشعب ودرعا لحماية الوطن».
وأضاف طنطاوي: «نتوق لوقوف الرئيس المنتخب أمام البرلمان ليقسم اليمين قبل نهاية حزيران المقبل، لنوفي بعهدنا ونعود إلى مهمتنا الأصلية دون غيرها، ونعدكم أن نعمل معا خلال ما تبقى من الفترة الانتقالية المؤقتة لتحقيق أهداف الثورة بالعدالة والعيش الكريم لكل أبناء الشعب». وتابع طنطاوي «نتطلع إلى استكمال مهمتنا كما بدأناها بإخلاص وشرف، ونستكملها بإجراء انتخابات مجلس الشورى، ليتسنى لكم اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية لوضع دستور جديد يليق بمصر ويعبر عن آمال شعبها».
25 يناير
في هذا الوقت، أعلنت عدد من القوى السياسية وشباب الثورة عن الخطة التفصيلية للتحركات والمسيرات في 25 يناير، وأصدرت حركات 6 أبريل الجبهة الديموقراطية، واتحاد شباب الثورة والائتلاف، والجبهة الحرة للتغيير السلمي، وثورة الغضب الثانية، بياناً بالمسيرات التي ستخرج، غداً في الواحدة ظهراً، والتي حمل بعضها أسماء لشهداء الثورة.
وبحسب الخطة، ستتحرك مجموعات من الميادين والشوارع الرئيسية في القاهرة لتلتقي في ميدان التحرير. كما وضعت القوى خطة تفصيلية للتظاهرات في مختلف المحافظات المصرية.
وهدد اتحاد شباب الثورة بالدعوة إلى «جمعة غضب ثانية» يوم الجمعة المقبل في حال إصرار المجلس العسكري على البقاء في السلطة، وعدم تسليمها لسلطة مدنية، مشيراً إلى أنه يدرس حالياً قرار الاعتصام في ميدان التحرير وميادين مصر مع القوى الشبابية والسياسية والشباب من المستقلين في حال عدم تسليم السلطة.
وطالب شباب الثورة نواب مجلس الشعب بالنزول إلى ميدان التحرير لاستكمال طريق الثورة والتأكيد على مساندتهم لمطالب الشعب المصري.  

السابق
بيان الحقد والتنعت
التالي
الاخبار: لجنة المال المستقبل تطلب وساطة بري