مراقبة عربية مؤلمة

ليس المراقبون وحدهم معيار الفشل أو النجاح لما يسمى بالحل العربي للأزمة السورية. في الأصل كان الزعم أن العرب، فرادى أو مجتمعين، قادرون على إنجاز مثل هذا الحل هو أشبه بإطلاق نكتة او اجتراح معجزة. كانت هناك حاجة إلى توفير المزيد من الوقت للجميع من دون استثناء، للنظام لكي يعثر على مخرج من مأزقه، وللمعارضة لكي تجد سبيلا لانتظامها، وللعرب لكي يحددوا موقع سوريا على لائحة أولوياتهم، وللمجتمع الدولي لكي ينأى بنفسه عن ورطة تلوح في ظرف اقتصادي وعسكري وسياسي حرج بالنسبة إلى مختلف الدول الكبرى.

كانت مهمة المراقبين العرب في الشكل متواضعة جداً، لكنها في الجوهر متطورة جداً، في تعبيرها عن مأزق جماعي وفي تطلعها إلى توفير مخرج جماعي، يعفي من المسؤوليات، ويلقي على كاهل السوريين وحدهم وزر الحل الذي لو كان في متناولهم لما كانت الأزمة ولما كانت حربهم الأهلية التي لم تندلع صدفة ولا هي مؤامرة، بل كانت نتاج انهيار مستمر للدولة والمجتمع السوري منذ أربعة عقود.
كانت مهمة مستحيلة. أخطر ما فيها أنه ليس لها بديل حتى الآن: النظام لم يعد قادراً على العودة إلى الوراء، وكذا المعارضة التي لا تملك فرصة مثل هذه العودة. ولأن العرب ليس لديهم أي فكرة عما يمكن أن يفعلوه لوقف سفك الدماء السورية. اقتراح إرسال قوات عربية لم يكن أكثر من وسيلة ضغط نفسي، واقتراح جلب قوات أجنبية أطلسية أو دولية هو من المحال.

قرار التمديد للمراقبين ليس دليل عجز او إخفاق عربي. هو في المقام الأول يعبر عن استعداد العرب للتعايش مع المذبحة السورية الكبرى إلى ما لا نهاية. والكلام عن أن النظام ساقط خلال أسابيع أو أشهر هو نوع من النداء إلى الشعب السوري لكي يتحلى بالصبر، ولكي يتجنب توجيه الاتهام لأحد.
ما يمكن أن يحصل في الشهر المضاف إلى مهمة المراقبين العرب هو أن العنف سيزيد من طرفي الصراع ويمكن أن يستهدف الشهود العرب الذين صار وجودهم عبئاً على الجانبين.. ومعرقلاً للأشكال الجديدة التي سيتخذها الصراع في مراحله المتقدمة… عندما يتيقن النظام أنه حر التصرف داخل حدوده، وعندما تدرك المعارضة أن الحدود مقفلة على أي تدخل خارجي.

الطرف الأقوى هو المستفيد من هذا التمديد، لكن معايير القوة ستختلف من الآن فصاعداً. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأدوار الخارجية، العربية والأجنبية، التي يمكن أن تجد الكثير من البدائل للتدخل العسكري المحظور أو المستحيل.. بما يمكن أن يحدث الخلل المطلوب بسرعة في موازين القوى التي لا تزال تسمح بنزيف سوري مروع، لم ينجح في تعديل أولويات أي بلد عربي أو أجنبي، ولم يتعد كونه خبراً مفجعاً يحتل الصدارة في وسائل الإعلام العربية والأجنبية كافة.
ليست سوريا دولة مهمة، لكن شعبها المتعدد والمتنوع مهم جداً.

السابق
العريضي: القرار ليس بيد حزب الله
التالي
عرقجي: سوريا اجتازت المراحل الاخطر