إيران فهمت رسالة واشنطن

لم تنته الأزمة النووية الإيرانية بعد، لكن يبدو أن طهران قد اتخذت خطوة ذكية، بتراجعها عن تهديدها الذي وجهته قبل بضعة أسابيع بإغلاق مضيق هرمز كرد فعل لتصعيد العقوبات الأميركية.

وأتى تخفيف إيران موقفها بعد تحذير من مبعوث أميركي هذا الشهر مفاده أن أي محاولة لإغلاق المضيق من شأنها أن تولد رد فعل مدمر من جانب الولايات المتحدة. من الواضح أن طهران تلقت الرسالة، وهو ما ظهر جليا في تنصل مسؤول إيراني رفيع يوم الخميس من التهديدات الإيرانية السابقة.

«إيران على مر تاريخها لم تحاول مطلقا وضع أي عراقيل لتعطيل هذا الطريق الملاحي الهام»، هذا ما أكده وزير الخارجية علي أكبر صالحي في مقابلة تلفزيونية أثناء زيارة لتركيا.

لكن في إشارة إلى أن إيران تفرض برنامجها النووي الأوسع نطاقا، حذر صالحي الدول من وضع نفسها في «موقف خطير» بالتحالف مع الولايات المتحدة.

كانت الشرارة التي أشعلت هذا الجدال هي تصريح عدائي أدلى به نائب الرئيس الإيراني، محمد رضا رحيمي، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي مفاده أن إيران ستغلق المضيق في حالة فرض الغرب عقوبات جديدة على النفط الإيراني. وفي يوم 3 يناير (كانون الثاني)، قال أميرال إيراني رفيع المستوى إن القوات البحرية الإيرانية قد تدربت على إغلاق المضيق، وحذر من أن حاملة الطائرات «يو إس إس جون سي ستينيس»، التي غادرت الخليج العربي مؤخرا، يجب ألا تعود. غير أن الاستخبارات الأميركية سرعان ما أدركت إشارات دالة على أن بعض القادة الإيرانيين لم يكونوا راضين عن التعليقات التهديدية.

وتشير تصريحات وزير الخارجية، عند ربطها بتطورات أخرى، إلى أن حمى حدوث مواجهة سريعة عند مضيق هرمز بدأت تنحسر. لم يحدث تقدم بعد في القضية الرئيسية المتمثلة في برنامج إيران النووي، غير أن الولايات المتحدة أوضحت «خطوطها الحمراء» في الأزمة، وأشارت إيران من خلال رد فعلها المعلن إلى أنها تعي الأمر، وجاءت خطوة أخرى من خلال تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك يوم الأربعاء بأن شن إسرائيل هجوما على إيران «أمر مستبعد تماما». كان باراك يعبر عن إجماع مؤسسة الأمن القومي الإسرائيلية.

وتعتبر قناة المحادثات السرية الأميركية مع إيران عاملا جديدا محيرا. لم يكشف المسؤولون الأميركيون عن هوية المبعوث، لكنهم قالوا: إنه نقل بيانا شفهيا تضمن تحذيرا بشأن إغلاق المضيق، وتأكيدا على رغبة الولايات المتحدة في إجراء مفاوضات جادة.

يقال: إن الرسالة السرية كانت مماثلة لرسالة معلنة نقلها المتحدث باسم البيت الأبيض، تومي فيتور: «الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مهتمان بشدة بالتجارة الحرة وحرية الملاحة في كل الطرق الملاحية الدولية…. ومنذ تولي الرئيس منصبه، أوضح جليا أنه يعتزم المشاركة البناءة والجادة مع إيران بشأن برنامجها النووي».

دائما ما كان تفسير سلوك إيران لغزا محيرا. لكن يمكن اعتبار تصريحاتها الأخيرة – العدائية والسلمية – ردود فعل تجاه العقوبات الاقتصادية التي بدأ يظهر تأثيرها الخطير. كتبت من قبل مقالا عن بدء كبار عملاء إيران – من بينهم الصين والهند – في تقليل مشترياتهم النفطية من إيران وتطلعهم للمملكة العربية السعودية كبديل.

لقد بدأت أزمة سوق النفط تولد أزمة مالية حادة في إيران، إذ يتكالب الإيرانيون على الدولارات التي أصبح المعروض منها قليلا (بسبب سياسة أميركية متعمدة). وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، هبطت العملة الإيرانية إلى أدنى مستوياتها في مقابل الدولار يوم الأربعاء، وقد انخفض سعر السوق السوداء لأكثر من 50% في الشهر الماضي، ليصل إلى 18.000 ريال للدولار مقارنة بـ11.000 إلى 12.000 ريال في ديسمبر.

وبجمع هذه العوامل معا، أوضح مسؤول استخباراتي يراقب الوضع في إيران عن كثب قائلا: «إيران ممنوعة الآن من اجتياز الروبيكون وتصنيع أسلحة نووية». يقول هذا المسؤول إن إيران ترغب في الحصول على جميع المكونات اللازمة لتصنيع سلاح نووي – لكنها تؤجل اجتياز الحدود إلى أن تحين اللحظة المناسبة.

إن ما ترغبه إدارة أوباما هو إجراءات وقائية موثوق بها تمنع أي خرق لقوانين التسليح. لخص الرئيس أوباما هدفه في لقاء مع فريد زكريا لمجلة «تايم» الأميركية، والذي جاء فيه قوله: «الإيرانيون لديهم مسار واضح جدا يزعمون من خلاله أنهم لن ينتجوا أسلحة، ولن يختزنوا مواد يمكن استخدامها في تصنيع أسلحة. حينها، يقول لهم المجتمع الدولي: إنه سيتعاون معهم من أجل تطوير إمكانات الطاقة النووية السلمية لديهم، الخاضعة لإجراءات المراقبة التي قد اتفقت عليها الدول الأخرى فيما مضى».

ما زال أمام هذه المواجهة طريق طويل، ينطوي على مخاطر جسيمة بالنسبة لجميع الأطراف. غير أن اتصالات الأسبوع الماضي أوضحت على الأقل أن ثمة رسائل حاسمة يتم إرسالها واستقبالها ما بين واشنطن وطهران.

السابق
خالد مشعل سيعين «مراقباً عاماً للإخوان» في فلسطين
التالي
أولويات ثلاث لرئيس حكومة لبنان!