أولويات ثلاث لرئيس حكومة لبنان!

أولويات رئيس الحكومة الحالية نجيب ميقاتي كثيرة. فهي تبدأ بالمحافظة على الأمن وإن هشاً في لبنان وتلافي الانحدار الى الصراع الدائر في سوريا الذي يضعها على طريق حرب أهلية جديدة اشرس من حروب الماضي. كما تبدأ بالمحافظة على الاستقرار المالي والقطاع المصرفي وحمايتهما من كل الاخطار. وهي تمر بمعالجة عدد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية المهمة مثل الكهرباء وزيادة الأجور لتمكين الفقراء ومحدودي الدخل من العيش بحد أدنى من الكرامة، ومثل الانطلاق الفعلي بالعمل لاستثمار نفط لبنان وغازه بعدما تأكد وجودهما في باطن بحره وأرضه، ومثل محاولة ممارسة التوازن الانمائي. وتنتهي هذه الأولويات بخروج ميقاتي سالماً من "قطوع" "المحكمة الخاصة بلبنان" ومن "قطوع" انفراط "العلاقة الجيدة" بينه وبين "حزب الله" والنظام السوري التي أوصلته الى السرايا الحكومية قبل نحو سنة.

هذه الأولويات، يقول متابعون من قرب لحركة ميقاتي في السرايا وخارجها، صحيحة لكنهم يعتقدون ان لديه اولويات اساسية او ربما أكثر اساسية من دونها قد يصبح عاجزاً عن معالجة الأولويات المفصلة اعلاه بطريقة ناجعة. وهي في رأيهم ثلاث. الأولى، النجاح في اقناع المسلمين السنّة في لبنان، وهو منهم، بأنه غير خارج عنهم، وغير مفرط بالقضايا المهمة التي يتمسّكون بها وفي مقدمها "المحكمة الخاصة بلبنان"، ولا بحقوقهم وبدورهم السياسي والوطني. وهذه أولوية بالغة الأهمية بالنسبة اليه لأن المذهبية سيطرت على البلاد الى جانب الطائفية، ولأن لبنان يعيش حالياً وإن بالسياسة حرباً مذهبية وخصوصاً بين المسلمين، وحرباً طائفية وإن اقل حدة لأسباب عدة قد يكون أبرزها انقسام المسيحيين، وتقلّص عددهم، وتضاؤل دورهم، وتصرفهم رسمياً وربما للمرة الأولى في لبنان كأقلية. وهذا لم يشعروا به قط منذ الاستقلال وحتى هزيمتهم عام 1990. وفي هذا المجال يعرف ميقاتي ان وضعه السنّي معقول ومقبول. لكنه يعرف ان اخصامه السنة اقوى منه وأكثر تمثيلاً على الصعيد الشعبي. ولذلك فإنه لم يتأخر عن اتخاذ المواقف التي تساعده على تعزيز الوضع المذكور، وان تسببت باحراجات له واشكالات مع "حلفائه" المعروفين. ويقال في هذا المجال انه رفض يوماً اتخاذ مواقف سلبية من "المحكمة" امام واحد من هؤلاء كان يطالبه بها. وبرر رفضه بالقول انه غير متعصب، لكنه في النهاية، وبعد عمر طويل، سيدفن في مسقطه طرابلس السنّية بغالبيتها الساحقة. وهو يريد من كل من يمر قرب ضريحه الترحم عليه وقراءة الفاتحة، وليس القيام بامور غير لائقة به وباصحابها طبعاً.

والأولوية الثانية لميقاتي، بحسب المتابعين انفسهم، هي عدم التجاوب مع المطالب المبالغ فيها لـ"التيار الوطني الحر" السياسية والادارية و"التعيينية"، ليس كرهاً به وبسياسته بل لأنه يريد حصة المسيحيين كلها، ويدعم حصول غير السنة من المسلمين على كل مطالبهم، ويتساهل مع الاجحاف بحقوق السنّة. هذا فضلاً عن طريقة قادته في التصرف وفيها الكثير من الفوقية. ولا يعني ذلك انه ضد اعطائه حقه بل ضد اعطائه ما هو اكثر من حقه.

والاولوية الثالثة، هي المحافظة على علاقة جيدة مع العربية السعودية على الصعيد العربي ومع اميركا واستطراداً اوروبا على الصعيد الدولي. والاثنتان "خافتا" من وصول ميقاتي الى السرايا الحكومية قبل نحو سنة لأنه كان على يد "حزب الله" وسوريا وبعد انقلاب دستوري معروف. لكن يبدو انهما صارتا الآن اكثر اطمئناناً له. علماً ان حذرهما مستمر لأنه واجب. ومن الأدلة على ذلك دعوة الدولتين أخصامه اللبنانيين، وخصوصاً من السنّة، الى مساعدته كي يستمر في "الوسط" ولا سيما في هذه المرحلة الصعبة محلياً واقليمياً. ومن يَرَ تعاطي الرئيس الاسبق فؤاد السنيورة مع ميقاتي يتأكد ان الموقفين السعودي والاميركي تعدّلا. علماً انه قد تكون له دوافع أخرى لا مجال للخوض فيها.

هل هذا التقويم لمتابعي حركة ميقاتي منذ عودته الى رئاسة الحكومة صحيح؟

فيه الكثير من الصحة. لكن القريبين منه يقولون ان الاولويات المنسوبة اليه صحيحة. لكن نجاحه في ترجمتها عملياً لا يزال جزئياً. فالسعودية لا تزال في اعماقها "منرفزة" وحذرة رغم تقديرها بعض خطواته. واميركا باقية على حذرها رغم تقويمها الايجابي لخطواته الاخيرة، وفي مقدمها الاصرار على تمويل "المحكمة". فضلاً عن ان اولوياته، يضيف هؤلاء، "نقّزت" حلفاءه وفي مقدمهم سوريا و"الحزب".

السابق
إيران فهمت رسالة واشنطن
التالي
مهاجمة ايران ستتم دون إذن من اميركا او بتحذيرها قبل 12 ساعة فقط ؟!