ما سرّ ثقة الأسد وعلامَ يُراهن؟

توقف سياسيون متابعون للأوضاع الاقليمية والدولية عند قرار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الأخير القاضي بتعليق العمليات العسكرية للقوات الفرنسية العاملة في أفغانستان، ورأوا أنه يتجاوز كونه مجرد تدبير عسكري لينطوي على دلالات سياسية بعضها يتصل بحراجة موقف ساركوزي داخلياً قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية. والبعض الآخر يشير الى وجود نوع من الارتباك داخل دول حلف الاطلسي (الناتو) .

فالفرنسيون يشعرون ان واشنطن تستخدم قواتهم في افغانستان، كما في غيرها، فيما تذهب هي الى مفاوضات مع حركة "طالبان" عبر الوسيط القطري، وخصوصا بعد افتتاح مكتب لـ"طالبان" في قطر. وينسحب هذا الارتباك أيضا على التناقض في تصريحات صادرة عن قيادات في الحلف الاطسي، خصوصا بعد أن أعلن مسؤول كبير في الحلف أمس أنه لا توجد أي نية للتدخل العسكري في سوريا، بما في ذلك الحظر الجوي.

وتأتي هذه التطورات متزامنة مع ارتفاع أصوات عربية وأوروبية وأميركية، وحتى إسرائيلية، تحذر من مغبة شن حرب ضد إيران وما يمكن ان تخلفه مثل هذه الحرب على المنطقة بأسرها من فوضى ودمار.

ويرى السياسيون المتابعون في مجمل هذه التطورات مؤشرات الى وجود نوع من المراجعة في السياسة الغربية تجاه المنطقة عموما، فيما لا يستبعد سياسيون آخرون ان يكون الأمر كله "مجرد خدعة لكي تدفع الأطراف المناوئة للهيمنة الغربية في المنطقة الى الاسترخاء فيما تعد عواصم الغرب ضربة مفاجئة لها".

وفي هذا الاطار يتخوف هؤلاء السياسيون من زيارة رئيس الأركان المشتركة للجيوش الأميركية مارتن ديمبسي لتل أبيب أخيراً وإجتماعه بالمسؤولين العسكريين والسياسيين الكبار، فمثل هذه الإجتماعات تُعقد عادة، أمّا للضغط على إسرائيل لعدم القيام بمغامرة ضد إيران تورط جميع حلفائها، وهذا ما كان يفعله عادة مسؤولون أميركيون يزورون تل أبيب في ظروف سابقة. أما الاحتمال الثاني فقد يكون حسب آخرين ان مثل هذه الزيارات هي لاستكمال الاستعداد لضربة عسكرية مفاجئة تعيد رسم خريطة القوى في المنطقة، وهو ما يفسّره ما صدر من تصريحات عن بعض الأطراف العربية والدولية بأن 22 الشهر الجاري ، أي غداً، سيكون موعداً لتطورات حاسمة في المنطقة.

الى سوريا

ووسط هذه التطورات الإقليمية والدولية المهمة تبقى الأنظار مشدودة الى سوريا حيث يراقب كثيرون الأوضاع فيها، خصوصا إذا ما كانت هناك تراجعات ملموسة في مواقف الدول الاقليمية والغربية ازاء الملف السوري.

ونقلت مصادر وفد "لجنة المبادرة الشعبية العربية" لـ "الجمهورية" ان الرئيس السوري بشار الأسد خلال اجتماعه بها أمس الأول لأكثر من ثلاث ساعات، كان يتحدث بـ"درجة عالية من الثقة بالمستقبل، على رغم ملاحظة أعضاء الوفد أنه كان ملماً بتفاصيل المشهد السوري من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، ومن أقصى الشرق الى أقصى الغرب". وعزت هذه المصادر ثقة الأسد هذه بالأوضاع الى "اطمئنانه لمتغيرات عربية وإقليمية ودولية لمصلحته، فقد نجحت الرعونة الأميركية والأوروبية، وكذلك رعونة بعض الاطراف العربية في دفع قوى إقليمية ودولية كبرى الى إدراك تلازم مصالحها الاستراتيجية مع استمرار الوضع الراهن".

وقد كشف الأسد لأعضاء الوفد أنه "سمع بالفيتو الروسي – الصيني الذي اسقط مشروع القرار الاميركي ـ الغربي الشهير ضد سوريا في مجلس الامن الدولي من الاعلام مثلما سمعه كل مواطن سوري وعربي وغربي، وانه لم يطلب من موسكو وبكين مثل هذا الفيتو، وان الطرفين لم يبلغا إليه موقفهما هذا قبل إنعقاد جلسة مجلس الامن"، ورأى الأسد في ذلك "تعبيراً عن عمق العلاقات القائمة بين دمشق وموسكو وبكين".

وأبدى الأسد للوفد الذي ضم 12 شخصية تمثل هيئات شعبية عربية تمثل معظمهم ألوان الطيف السياسي والعقائدي العربي "أن أبواب الحوار مفتوحة لكل مَن يرغب المشاركة فيه". واضاف: "اما بالنسبة الى الوضع الميداني فإن القيادة السورية تعالجه بالتواصل مباشرة مع القوى الفاعلة على الأرض، وقد نجحت في تهدئة كثير من بؤر التوتر على رغم من التحريض الإعلامي وسيول الأموال والأسلحة المتدفقة لإبقاء الجو في سوريا متوتراً في انتظار جو يقود إلى تدويل الأزمة السورية". وقال الاسد، حسبما نقلت مصادر الوفد عنه لـ"الجمهورية": "اننا قادرون على الحسم العسكري ضد الجماعات المسلحة الإرهابية، لكن هذا الحسم يرتب كلفة بشرية كبيرة، وهو أمر ما زلنا حريصين على تجنبه، ونفضل ان نستمر في المعالجة الهادئة والأقل تكلفة حتى لا يتكبد الأبرياء اثماناً باهظة".

ويعتقد السياسيون المطلعون أن القوى الخارجية المناهضة للنظام السوري التي لجأت إلى تعريب الأزمة بعد فشل التدويل في مجلس الأمن بسبب الفيتو المزدوج الروسي ـ الصيني، تسعى اليوم إلى تغطية فشلها في تحويل التعريب مأزقاً للنظام عبر الحديث عن التدويل مجدداً. ويعتقد هؤلاء السياسيون أن اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب غدا في القاهرة لن ينساق إلى الأصوات الداعية الى تحويل الملف السوري إلى مجلس الأمن على رغم الضغوط الشديدة الممارسة على الحكومات العربية في هذا الاتجاه. فقد بدا ان هناك "ممانعة" لدى دول عربية عدة عبّرت في شكل أو بآخر عن تحفظها عن الانزلاق في مسار "الصقور" في جامعة الدول العربية، ولعل دفاع وزير خارجية السودان عن بعثة المراقبين العرب ورئيسها الفريق السوداني هو أحد مظاهر هذه "الممانعة المستجدة" التي تكشف أن هناك تململاً خوفا من أن تصبح هذه الدول مجرد أدوات تنفذ إملاءات الدوحة، وقد كان لافتاً في هذا المجال مقال صحيفة "الرياض" السعودية قبل أيام والمعارض لإرسال قوات عربية إلى سوريا بموجب اقتراح ورد على لسان أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني خلال مقابلة تلفزيونية في واشنطن.

ويرى زوار دمشق ان التحسن في الوضع العربي والإقليمي والدولي لسوريا لا يكفي وحده لخروجها من أزمتها إذا لم يرافقه حل سوري – سوري يضمد الجروح الساخنة في المجتمع السوري، ويُخرج سوريا من الأسباب الداخلية التي قادت إلى الأزمة.

وفي هذا السياق يتوقف زوار دمشق عند اجتماع عدد من أعضاء وفد "المبادرة الشعبية" بـ"هيئة التنسيق الوطنية" المعارضة في دمشق على أنه "تعبير عن إدراك سوري لضرروة أن يتعزز دور القوى الشعبية في بناء جسور الحوار مع المعارضة الوطنية في سوريا، وذلك بعد أن وصلت المبادرة الرسمية العربية إلى ما يشبه الطريق المسدود، خصوصاً بعد الاقتراح غير الواقعي بإرسال قوات عربية إلى سوريا، على حد تعبيرهم.

بعض السياسيين سخر من هذا الاقتراح القطري المنشأ، قائلين "إن الجامعة العربية لن تجد قوات عربية ترسلها إلى دمشق غير القوات السورية نفسها في اعتبار أن الجميع مشغول بأوضاعه الداخلية، أو لا يملك قوات كافية لإرسالها إلى خارج بلاده!".
  

السابق
من مسرحيّة 7 أيار حتى لحظة الانفجار
التالي
شربل نحاس والفرصة المتاحة