شربل نحاس والفرصة المتاحة

ليست المرة الأولى التي لا يوقع فيها وزير في الحكومة مرسوماً، فما أقدم عليه، بالأمس وزير العمل شربل نحاس برفضه توقيع مرسوم بدل النقل والمنح المدرسية يطرح إشكالية دستورية ـ نظامية لطالما تكررت في العقدين الماضيين، عندما امتنع أكثر من وزير عن توقيع مرسوم صدّقه مجلس الوزراء أو عندما امتنع رئيس مجلس الوزراء عن توقيع إحالة مشروع قانون أقره مجلس الوزراء وفقاً للأصول إلى مجلس النواب ليبقى في أدراج مكتبه حتى اليوم. والسؤال هنا هل يمكن للوزير شربل نحاس أن يضيف إلى تلك السوابق واحدة جديدة بالامتناع عن توقيع «المرسوم المنتظر»؟
تجب الإشارة أولاً إلى ان نحاس حرص منذ مشاركته في الحكومة للمرة الأولى على ان تكون مواقفه وأعماله محكومة بسقف القوانين والدستور برغم أن آفاق تطلعاته هي أبعد من تلك القوانين وكذلك الدستور.
انطلاقاً من هذه القناعة، من المستحيل ان يقدم نحاس على وضع المرسوم او أي مرسوم آخر في جارور مكتبه ليعطل استكمال آلية اعتباره نافذ الإجراء، مستنداً في ذلك إلى السوابق التي حصلت سابقاً، لكونه لا بد ان يدرك جيداً ان الاستناد إلى سابقة مخالفة للقانون لا يعتد بها ولا تكون صالحة للبناء عليها، وهذا ما تؤكده النصوص الدستورية.
فالمادة 54 ـ دستور فرضت وجوباً أن تكون المراسيم موقعة من رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصين. ولهذا يمكن القول إن مرسوم النقل أو مرسوم الأجور أو غيرهما يفقدان دستوريتهما إذا رفض الوزير نحاس التوقيع عليهما وبهذا المعنى يمكن للوزير نظرياً تعطيل أي مرسوم إذا ما رفض توقيعه، وقد أقدم مجلس النواب في أكثر من جلسة على رد مشاريع إلى الحكومة، لأنها كانت تفتقر إلى توقيع أحد الوزراء المختصين، برغم ان رئيس مجلس الوزراء ووزراء آخرين كانوا موقعين على إحالتها إلى المجلس.
ومع الاستبعاد الكلي لإمكان إقدام وزير العمل على رفض التوقيع بهدف تعطيل المرسوم، تصبح الخيارات المتاحة أمامه ضيقة، خصوصاً في حال تشبثه بموقفه المبدئي الذي يستند إليه ويعود ذلك إلى أن أي وزير لا يفتح مجلس وزراء على حسابه. إنه واحد من مؤسسة لا يملك أحد من أعضائها ومنهم رئيسها صلاحية اتخاذ القرار، لأن قراراتها تتخذ توافقياً وإذا تعذر التوافق يصار إلى التصويت وعندما يقرر مجلس الوزراء يصبح قراره ملزماً لجميع الوزراء وفي مقدمهم الذين عارضوا اتخاذ القرار.
ان هذه المسألة ليست شكلية إنما هي واحدة من ركائز النظام البرلماني الديموقراطي، وبالتالي، يصنف خرقها بأنه من «الكبائر». ولهذا لا بد لنحاس ان يأخذ «التضامنية الوزارية» في الاعتبار ليأخذ في الحســبان ان موقفه ينطلق من وجود قرار عليه ان يتعامل معه وفق الأصول، فما هي حدود ذلك الموقف؟
لن يكون أمام نحاس إلا خيار واحد من بين خيارين لا ثالث لهما. الأول، إرادي يتمثل في إعلان استقالته من الحكومة كثمن لرفض توقيع المرسوم وله الحرية المطلقة بذلك باعتبار ان الاستقالة تركها الدستور خاضعة للحرية الشخصية. أما الثاني، فقسري ويتمثل في حرص مجلس الوزراء على الدفاع عن قرار متخذ ويكون ذلك بإقالة الوزير وفق ما جاء في المادة 65 ـ دستور بموافقة ثلثي أعضاء الحكومة (3/2).
ولعل المبرر الأساسي للنص على إقالة الوزير تعود إلى إمكان رفض وزير ما توقيع او احترام قرارات اتخذها مجلس الوزراء وفقاً للأصول.
وإذا كان مجلس الوزراء في السابق قد تقاعس عن اللجوء إلى هذه المادة، برغم وجود السبب الملحّ لذلك، فإن عدم احترام مجلس الوزراء للقرارات التي اتخذها، يشكل تقاعساً وتجاوزاً للدستور والأصول، وإلا كيف سيكون بمقدوره أن يطلب من الناس احترام القرارات والقوانين والدستور؟
أمام هذه المعطيات يبدو ان خيار نحاس لن يتجاوز خياراً من خيارين هما: اما احترام التضامنية الوزارية فيوقع القرارات المتخذة من مجلس الوزراء، وإما ان يرفض الخيار الأول ويشفعه بتقديم استقالته من الحكومة.
من هذا المنطلق، إن شربل نحاس مدعوّ للإدراك ان البلد ما زال بحاجة إلى مناقبيته أكثر من أي يوم مضى، لذلك، عليه أن يكتفي بمزيد من توضيح مبدئيته ليكسب ببقائه في الحكومة ما يعتبر أساساً لبناء «العقل المبدئي» في ممارسة الحكم؟
  

السابق
ما سرّ ثقة الأسد وعلامَ يُراهن؟
التالي
رعد: هدفهم إسقاط موقع سوريا ودورها في الصراع ضد المشروع الأمريكي- الإسرائيلي في المنطقة