رفيق شربل… لا تستقل!

لم تكن السلبية يوماً إلّا فعل المحبطين، أو الذين ليس بيدهم القيام بشيء.
لم تكن السلبية أو الانزواء، سوى فعل الذين فقدوا القدرة على الصمود أو على الدفاع أو على الهجوم.
لم تكن السلبية يوماً، إلا فعل اعتذار من اصحاب القضية لا من اصحاب التكليف، وليس فيها سوى الابتعاد خشية عدم تحقيق نجاحات.

لكن التاريخ علّمنا أنّ بمقدورنا القيام بأي شيء لمواجهة الشر، ويمكننا الانطلاق من حيث انتهى بنا الأمر، حيث الهزيمة، اي حيث بتنا في موقع الخاسر، وحيث الخسارة في بلد مثل لبنان، هي خسارة كل شيء، ما يعني، ببساطة، انه في حضرة كل الاشرار المتجمعين حول طاولات القرار، وفي غرف تناتش الثروة الوطنية، وفي دهاليز السرقة والاعمال الحقيرة، لم يعد لدينا ما نخسره. لكن، بيدنا سلاح هو الاقوى من كل ما يملكون، وهو قول لا. هو اعاقة اعمالهم بالقدر المستطاع. هو فضحهم وإشعارهم بذلّهم، وبوضاعتهم، وحقارتهم، وبالوحوش الساكنة في دواخلهم. وهو ما علينا القيام به طوال الوقت.
صحيح ما نقل عن لسان احد الوزراء من أننا نعيش في زمن «لا ثورات فيه ولا ثوار، ولا اصلاح فيه ولا تغيير»، لكن هذا الموقف ما هو الا الكلام المكتوم، اي الذي لا يجرؤ صاحبه على الكشف عن هويته. هو الكلام الذي يخشى الفاجر نفسه ان يقوله علناً في محضر عام، لأنه يعرف انه الكلام الحرام.
صحيح أن التقاسم الطائفي والمذهبي والسياسي والمصلحي يسيطر على كل شيء، فيتربع قتلة على عروش القرار في البلاد، ويستولي سارقو المال العام على بقية مقدراتنا، ويتولى أنذال ادارة شؤون الفقراء، وعملاء للأعداء، أباً عن جد، امور السيادة والهوية الوطنية، ويحاضر فينا الجهلة وشذاذ الآفاق الذين اشعلوا نار الحروب المتنقلة في الاحياء والمدن، ولا تزال رائحة الدماء تفوح منهم، وهم يتحسسون رقابهم صبح مساء لمعرفتهم بقدرهم المحتوم مهما طال الزمان.
صحيح اننا نواجه ازمة اخلاقية عند الذين ضحّوا بكل شيء من اجل البلد واهله، فصاروا لا يميزون بين المهم والأهم، وبالغوا في تقديم اولويات على اولويات حتى ضاق الشارع بهم، لا خشية منهم على مستقبل ابنائهم، بل لقلة صبر الناس المتعبين في كل شيء، في طعامهم ولباسهم وصحتهم ودروسهم وألعابهم وأبنيتهم.
لكن الامر لا يتوقّف عند هذا الحد! الاستقالة تعني أنك استسلمت، وأنك تقول إن العماد ميشال عون ليس متبنياً عن حق مطلب الاصلاح والتغيير، أو أنّ مَن حوله او من بين اعضاء كتلته الوزارية او النيابية من هم اعداء للإصلاح والتغيير.
الاستقالة تعني انك استسلمت، وأنك تقول إن تيار المقاومة لا يهدف الى إحقاق العدل في كل مكان، وإنه مهتمّ بعدالة مجتزأة، ولا يريد خسارة قطرة عرق او بعض ماء الوجه من اجل حقوق الفقراء.
الاستقالة تعني انك استسلمت، وأنك تقول إن الرئيس نبيه بري وفريقه، أو الرئيس نجيب ميقاتي وفريقه، او النائب سليمان فرنجية وفريقه، هم، في حقيقة الامر، لا يختلفون عن سعد الحريري ووليد جنبلاط وامين الجميّل وسمير جعجع ونايلة معوض.
الاستقالة تعني انك استسلمت، وأنك تقول لرفاق لك ألا يُتعبوا انفسهم في محاولة تحقيق تغييرات في بنية ادارية او وزارة حيوية، وأنك تدعو باقي الوزراء الى الاستسلام، وتسهيل الامور التي تناسب مصالحهم الضيّقة، والتي ترضي الزعماء، وتحقق مصالح القبيلة او العشيرة بمعزل عن اسمها الطائفي او المذهبي أو السياسي.
الاستقالة تعني انك استسلمت، وأنك تقول للعمال بأن يرضوا بقيادتهم الحالية، التي هي على شكل قيادة الاحزاب، وعلى شكل قيادة الهيئات الاقتصادية، وعلى شكل قيادة جماعات الاحياء وشلل الزواريب، لا تمثل مصالحهم عن حق، ومستعدة للبيع والشراء حيث تطلّب الامر إرضاءً لطبقة سياسية فاسدة.
الاستقالة تعني انك استسلمت، وأنك تقول لأصحاب رساميل نظيفة، لم تلطّخها دماء ابرياء ولم تأت من الانابيب السوداء، أن افعلوا اي شيء خلافاً للقانون، وعليكم عدم احترام العمال لديكم، تصرفوا إنهم عبيد ليس لهم حق رفع الصوت ولو بسبب الجوع او البرد او المرض، وتدعوهم إلى أن يكونوا مثل الآخرين، وحوشاً تسرق المال والدماء، وتبيح الحرام.
الاستقالة تعني أنك استسلمت، وأنك تقول لموظفين في الدولة وخارجها، لا يزالون يأملون بيوم فيه دولة وفيه قانون، أن يعلنوا استسلامهم أيضاً، فإما أن يذهبوا الى منازلهم ويبحثوا عن طريق الحرام لإطعام أولادهم، او أن يخلوا مواقعهم في الدولة او خارجها، الى عناوين لكل انواع الفساد، فيقدرون على تحصيل المزيد، لكن شرط أن يتحولوا، مثل الآخرين، الى هياكل بشرية من دون روح.
الاستقالة تعني، اليوم، الموت. تعني الانتحار؟ ولسنا في وضع يلزمنا بذلك، بل نحن في وضع يوجب ما هو اسهل من الاستقالة علينا، وأصعب على أولئك الذين ينتظرون الآن، وفي كل لحظة، نبأ موتك. فهل نقدّم لهم هذه الخدمة حيث لا يستحقون.
ابق حيث انت، اجعلهم ممتعضين، ووجوههم صفراء كلما سمعوا صوتك، او شاهدوا وجهك، في الحكومة، وفي الادارة العامة، وفي المجلس النيابي، وفي لجنة المؤشر، وفي المؤتمرات والمنتديات.
ابق حيث انت، وتحلل من التزامات اخلاقية تجاه البعض، واقتل الحياء في داخلك، واجعل نهاراتهم ولياليهم، واجتماعاتهم، وندواتهم، مليئة بالحذر.
ابق حيث انت، وافضح المستور فيهم، واجلعهم يخرجون كل السموم المشكّلة لدمائهم. ادفعهم انت الى الانتحار، واحرمهم ساعات من الراحة والتمتع بقتلنا وسرقتنا وبيع دمائنا.
لماذا تريدهم أن يبتسموا انتصاراً؟ اجعلهم يقلقون، ولو لبعض الوقت. اجعلهم يتحسّسون أجسادهم الباردة وهم يرتكبون الشر تلو الشر، وأشعرهم بأن بينهم يقف رجل، لا يهتم لأمرهم، لا يرى فيهم سوى دمىً يحركها الشر قبل صياح الديك، همّه أن يستفزّهم، أن يحرق اعصابهم، أن يتلف ما تبقى من خلايا في اعصابهم او ادمغتهم، إن وُجدت أصلاً.
ابق حيث انت، القهر صار لنا عادة. واتركهم يستعينون بكل شيء لكي يبعدوك عن موقعك، واعلم انه، برغم كل القحط الذي حولنا، سيأتي يوم، ليس ببعيد، يخرج من بيننا من يهز رجلين، فقط رجلين، ما زلنا نأمل فيهما، ميشال عون وحسن نصر الله، ويشعرهما، بأن الصورة البيضاء لا تكتمل ما دامت دماء الفقراء تسفك على ايدي الاشرار أنفسهم.
ابق حيث أنت، وليموتوا في غيظهم!. 

السابق
قرطباوي: مرسوم بدل النقل ومنح التعليم الذي أقر في مجلس الوزراء هو غير قانوني
التالي
الكلاب تفهم لغة العيون